د. عبدالرحمن الشلاش
«قل خيرًا أو اصمت» هذه العبارة جامعة مانعة، بل إنها تشكِّل منهج حياة يجب أن نسير عليه، نختار من القول أحسنه وما يسهم في بناء فرد أو مجتمع وإصلاح حياة ومساهمة في الإصلاح بين المتنازعين، وهذا ما يعتبر من الإيجابية، وبثها بين الناس يؤدي إلى الخير الذي يعم الجميع، أما قول الشر فهو جماع من السلبية المقيتة تؤدي في كل حال إلى التأجيج وإشعال الفتن مثل سكب الزيت على النار وتوسيع هوة الخلافات.
قد تكون إيجابياً في ذاتك ومحيطك لكنك مع كل هذا تبتلي بإنسان سلبي يصدر لك كل أنواع السلبية، أو مجموعة من الأشخاص السلبيين بأفكارهم السلبية ونظرتهم السوداوية للحياة وللمجتمع وللناس، واتجاهاتهم غير الإيجابية لكل ما يجري على وجه الأرض فيحولون كل ما هو جميل إلى قبيح وسيء. يشككون ويخونون ويفسرون ما يحدث ويجري بأنه من أنواع الدسائس والمؤامرات أو الحقد.
كان لي صديق أتذكره دائماً رغم بعدنا عن بعض من سنوات فرقتنا دروب الحياة. هذا الصديق طيب في ذاته وراق في أخلاقه وكريم في عطائه لكن مشكلته المزمنة أنه غارق ومغرق في السلبية. عندما نفتح موضوعاً للنقاش أو نطرح مشكلة لإيجاد حل يبادر فوراً إلى فتح جميع ملفاته فيتحدث عن الصعوبات التي تواجهه في عمله، وكيف أنه يقطع مسافة طويلة في الذهاب والعودة للعمل كل يوم، وكيف أن مديره قد أثقل كاهله بالمهام وأنه الوحيد الذي يعمل بينما غيره من الموظفين لا ينجزون ومع ذلك يحصلون على الحوافز والترقيات بينما هو المسكين لا يقابل من مديره إلا بالتهميش حتى إنه فسر سلوك المدير بأنه ربما يكرهه ولا يطيقه، وقد يصل إلى درجة أنه يغار منه لأنه على حد وصفه أفضل منه في المهارات والقدرات، هذا الصديق في كل مرة يفتح المزيد من ملفات التشكي والتظلّم حتى يجبرك على السكوت. كنت في بعض الأحيان أسأله: هل حاول أن يحل ما يدّعي من صعوبات ومشكلات؟ فيجيب على الفور أن لا فائدة من كل ذلك.
كم من الناس في مجتمعنا على شاكلة صديقي السلبي القديم؟ والذين في البعد عنهم غنيمة فالعيش في أجواء السلبية يشكِّل خطراً على كل إيجابي طموح ومثابر ولديه رغبة أكيدة في تطوير نفسه وأساليب حياته. حين يصوّر هؤلاء السلبيون كل الأمور بأنها غير مشجعة ولا محفزة كيف ينتقل هذا التأثير السيئ إلى الناشئة وإلى كل طموح وكأن من يصدرون السلبية قد سدوا جميع المنافذ السالكة.