رجاء العتيبي
هل الدخول في جدل مع الآخر؟ أهم من التفاتة الشخص إلى نفسه؟ بمعنى لماذا يلجأ البعض في نقاشات طويلة ومستمرة مع آخرين؟ في حين أهمل مشكلاته الأسرية، والعملية، والاجتماعية. لم يعطها الوقت الكافي، كما يعطي وقتاً طويلاً لمناكفة الآخرين، مناكفات أيدلوجية وسياسية واقتصادية ورياضية، وربما صار الفريقان في حالة اصطفاف كامل، كل صف يرد على الآخر، هذا مع وهذا ضد.
هل يمكن أن نطلق عليه حوار صحي؟ أم جدل بيزنطي؟ أم نقاش سفسطائي؟ لماذا كل شخص يؤمن بمبدأ معين، يثرب على الآخرين ما يؤمنون به، لدرجة الرغبة في إسكاته، أو تجهيله، أو إقصائه؟ هل أحد المتجادلين على حق والآخر على باطل؟ وكيف يمكن أن نميز من هو على حق ومن هو على باطل؟ لا أتحدث عن أشخاص بعينهم، ولا مجال بعينه، إنما عن الجدل بصفة عامة حتى التي تحصل في الاستراحات، وفي مواقع الانتظار، وبين الراكبين المتجاورين في الطائرة.
كلنا جربنا النقاش الحاد منه والهادئ، وقليلاً ما يقتنع أحدهما بمقولة الآخر، والأكثر أن يفترقا، كلٌ في طريقه، وكل حزب فرح بما لديه، في موال يتكرر على مدار الساعة، ويتشظى معه الناس والأفراد، وتتعمق المشكلات، وتتعقد، وتبقى مشكلاتنا الفعلية من دون حل، كل من المتجادلين يذهب إلى منزله ويصطدم بمشكلاته الأسرية والمالية والعملية أمامه بلا حل، لأنه لم يتفرغ لها، ولم يعطها من وقته، ولم يفكر بها، بقدر ما يفكر كيف يجهز يوماً آخر من النقاش والجدل والأخذ والعطا وإفحام الآخرين، متوقعاً أن أمر الجدل سيحسم لصالحه، فيما الجدل مستمر ومستمر حتى ينهك المتجادلون.
أيهما أفضل أن يفكر الشخص بحياته ومستقبله، أم يضيع وقته في جدل لا نهاية له؟ ماذا لو وضع خطة إستراتيجية بين وضعه الحالي، وبين الوضع المرغوب بعد 5 سنوات، وبدأ يعمل خلال 5 سنوات على تحقيق هدفه الذي يجعل حاله بعد 5 سنوات أفضل من حاله الآن. هل هذا العمل أفضل؟ أم الجدل المستمر؟ لماذا أصلاً لا يفكرون بهذا؟ هل حققوا أهدافهم وتفرغوا للجدل والنقاش والحروب الكلامية؟ لا نعلم ولكن الوضع يحتاج إلى دراسة علمية تبين هل المتجادلين تخلصوا من مشكلاتهم الأسرية وتفرغوا للحروب الكلامية، أم أنهم يتجادلون فوق ركام من المشكلات الأسرية التي أهملوها؟ وهل يمكن أن يصدر قرار يمنع الجدل؟ أعني الجدل وليس الحوار.
وكيف يمكن أن نجر الناس نحو تطوير الذات، وتحقيق الأهداف، وحل المشكلات الأسرية؟ حدث في زمن مضى موجة باتجاه تطوير الذات، وظهرت دورات ومراكز بهذا الشأن، جاء من يجادل بأنها كذب، وراح يجادل في هذا الموضوع. لماذا أفسد هذا على الناس اتجاههم نحو تطوير الذات؟ ونفخ في الجدل حتى كبر. مهما يكن، الاتجاه نحو البناء، والتطوير، والعمل، وتطوير الذات، والتفرغ لبناء الوطن والتعاون، أفضل بكثير من الجدل والمناكفات، ما نسبة الحالتين في مجتمعنا، مرة أخرى أتحدث عن الجدل وليس عن الحوار.