د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ
كانت تستعد لرحلة داخلية مع والدتها وأختها وأخيها، وأثناء ذلك ذكرت لي أنها كتبت رسالة موجهة لي لا أفتحها إلا بعد مغادرتها، وذكرت لي المكان الذي أجدها فيه، ولربما كانت تقصد أن الرسالة سيكون لها وقع أبلغ في نفسي عندما أقرأها بعد المغادرة، فكيف لمن هو في المرحلة الابتدائية يدرك ذلك؟ لعمري أصبح أبناؤنا يدركون أمورًا لم نكن ندركها، إن هذا يدل على تطور داخل الأسرة وخارجها، ناهيك عن إلمامهم بالتقنيات الحديثة، التي قد لا يدركها الكبار.
في اليوم التالي وجدت الرسالة في المكان الذي ذكرته لي، رسالة عبرت فيها عن مشاعرها تجاهي، يا لها من مشاعر فياضة، وذكرت أنها ستفتقدني خلال سفرها ولكنها ذكرت أنها ستحرص على التواصل معي من خلال وسائل الاتصال الحديثة, وفي خلف الرسالة سطرت أختها الصغرى بضع كلمات رقيقة موجهة لأمها وأبيها.
التودد إلى الوالدين منصوص عليه في الكتاب والسنة، يعتبر من صلة الرحم، أمرنا المولى عز وجل بأن نقول لهما قولاً كريماً، وذكر نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الجنة تحت أقدام الأمهات، والتودد والملاطفة من قبل الأبناء تتجاوز الوالدين إلى الأجداد والجدات وإلى الأعمام والعمات والأخوال والخالات والإخوان والأخوات، وصلة الرحم مؤكد عليها في الشريعة الإسلامية الغراء. ومن فضائل الشرع أن التودد لسائر الناس يساعد على تلاحم المجتمع، فقد قال نبينا المصطفى، صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، قالوا بلى يا رسول الله، قال أفشوا السلام بينكم). ولقد أوصى نبينا بالجار، بالصلة به وحسن التعامل معه. جميع ذلك من تواد وتراحم داخل الأسرة وخارجها من شأنه أن يساعد على التلاحم بين أفراد المجتمع.
هذه المقالة التي أرسلها إلى هذه الصحيفة الغراء، أهديها إليكما ابنتَي جزاء ما حررتماه لي قبيل سفركما، وفقكما الله وحفظكما وإخوانكما وأخواتكما، وأدعو لكما بأن يرزقكما الذرية البارة في مستقبل الأيام، إنه سميع مجيب الدعاء.