أحمد المغلوث
كان ينتظر دوره في تسلّم أدويته الشهرية في المستشفى الخاص الكبير.. لم يكن في صالة الانتظار الكثير من المرضي الذين ينتظرون دورهم للدخول على أطبائهم.. كان عددهم يعد على أصابع اليد الواحدة.. لفت نظره وحتى اهتمامه تأوه وتوجع الذي يجلس إلى جواره.. وتفصلهما إشارة التباعد بعد تردد سأله: سلامات ألم تأخذ مسكناً للألم.. فرد وهو يتألم قائلاً: الله يسلمك أخذت ولكن الألم ينبض في أكثر من مكان في فمي.. ولهذا الألم «حكاية» فلقد اتصلت بطبيب أسنان أعرفه مستفسراً أن أحد أسناني أشعر أنه يهتز قليلاً فقال لي: بسرعة راجعني الآن دعني أكشف عليك وما فيه إلا الخير لم أصدق خبراً وطرت إليه وحال وصولي.. راح يتفحَّص السن التي أشرت إليها وقال هذه «السنة» لا فائدة منها لذلك فسوف أخلعها طبعاً قام بذلك بعدما حقن البنج ونزع السن وما هي إلا لحظات وإذا به يقول يستحسن أن أخلع السن المجاورة حتى أعمل لك تركيبة تخفي (الفراغ) المقزِّز الذي بات يشوِّه الفك.. وما هي إلا لحظات وطارت السن الثانية وصار شكل الفك شكلاً ثانياً؟! عندها قال: لحظات لنأخذ مقاسات التركيبة المناسبة.. وبعد جولة أدواته المختلفة داخل فمي المفتوح على مصراعيه كبوابة مخيفة قام مع مساعدته بعمل قالبين للفك الأعلى وقالب للفك الأسفل وكتب لي مسكناً وطلب مراجعته بعد أيام خرجت من عيادته بعدما دفعت ما تقرَّر علي من مال، وخرجت من العيادة وفمي به حشوة لوقف الدم النازف.. وفي المرة الثانية لزيارة العيادة: شعرت بأنني أكاد أسمع لسان حالها يردد تلك العبارات الساخرة في مسلسل رية وسكينة «جات برجليها» المهم جلست على كرسي الأسنان وأنا أمني نفسي بتعويض ما فقدته حتى ولو بتركيبة بدلاً من أسناني الحبيبة والحق أن الطبيب رحب بي كثيراً وضغط على الفك بقوة وهو يجرب التركيبتين العلوية والسفلية.. وأخيراً خرجت من العيادة بعدما دفعت مبلغاً لا بأس به.. ولم أصل إلى البيت والذي لا يبعد كثيراً عن العيادة إلا وشعرت بأن الفكين يرفضان بقوة وجودهما في مغارة (الفم المخيف) يا لطيف.. وراح الرجل والذي يبدو أنه شعر بسعادة أن يسمع أحدهم حكاية أسنانه وآلامه.. فاستطرد قائلاً: تصدق أنني حضرت إلى هنا ولدي تأمين من الشركة التي يعمل فيها ابني وأخبروني بالنسبة لأمثالي لا بد من مراجعة مكتب الشركة فهو الذي يقرِّر، وأضاف وأزيدك من الشعر بيتاً بحكم أني لم أستخدم تركيبة الأسنان لأنها لا تصلح فلا يمكن اأكل بها أو حتى أستمر في الحديث أشعر أنها تتحرك.. فقمت بحفظها في لفافة من القصدير ووضعتها على مكتبي في البيت, وقدَّر الله وما شاء فعل.. كان لدي اجتماع وأحببت أن أضع التركيبة خاصة الأمامية. فبحثت عنها ولم أجدها.. فسألت العاملة المنزلية. فقالت: نعم تذكّرت وجدت لفافة ظهر اليوم وحسبتها مخلفات ورميتها في كيسة المخلفات ولكن دعني أذهب ربما أعثر عليها في سلة المهملات، وأضاف الرجل صدقني حينها ارتفع ضغطي وفار التنور داخلي ورحت أتساءل: هل أصفعها.. لكنني تعوذت بالله من الشيطان وتوجهت إلى المسجد فلقد حان وقت صلاة العشاء.. بعد أداء الصلاة اتصل بي أحد الجيران متسائلاً: عسى ما أنتم فاقدين شيء لقد لاحظت عاملتكم المنزلية تفتش في «سلة المهملات» وأنا في طريقي للبيت.. فأجبته نعم، تركيبة أسناني!..