هايف بن سعود العتيبي
من تمكين المرأة، إلى مشاركتها، إلى مساهمتها في صناعة الحدث واتخاذ القرار، ثلاث مراحل مترابطة نقلت المرأة السعودية في أقل من خمسة أعوام، إلى كل أماكن العمل لتشكل جزءاً من التكتل العامل في الوزارات والدوائر الحكومية والقطاع الخاص، ولتبرهن نجاحها وتؤكد قدرتها على أن تتحمل المسؤولية إلى جانب عضيدها الرجل.
هذا المنجز الذي تحرزه المرأة السعودية وتتقدم فيه عاماً بعد عام، ما كان ليتحقق لولا الأنظمة والقوانين واللوائح التي تمنح لها أبواب المساواة والمشاركة بين الجنسين، ما جعل المملكة تستهدفها عبر الرؤية السعودية 2030، حيث جعلتها عنصراً رئيساً ومهدت أمامها الطريق فكانت مساهمة في مختلف أوجه الحراك التنموي، وما عزز من كيانها ما تضمنته الرؤية من برامج ومبادرات تنفيذية حّولت ما تتطلع إليه إلى منجز على أرض الواقع، وستنافس مستقبلاً على القائمة الأولى في المؤشرات الدولية للتشارك بين الجنسين.
ومع تأسيس الدولة، كانت التشريعات والقوانين تفتح للمرأة أبواب التعليم، وتمنحها الحق في تحديد مستقبلها، فكان مستهل ذلك مع حق التعليم، ثم توالت السياسات التي تعزز من حضور المرأة في مسيرة التنمية الاجتماعية وتوفير الظروف والبيئة التي تساعدها لأن تقوم بأدوارها باعتبارها أحد أعمدة كتابة مستقبل الوطن، حيث نشاهدها اليوم في كل القطاعات، حيث لم تكن عاملة فقط، بل قائدة وصانعة للقرار، سواء أكان في القطاع العام أو الخاص، من خلال الجامعات والوزارات والمؤسسات.
ليس هذا فحسب، بل إنها قامت بدور وطني بالغ التأثير، حيث تقدمت الصفوف لإغلاق فجوة تركيبة القوى العاملة في المملكة، فهي الآن في أوائل مشهد التوطين، خصوصاً في مؤسسات القطاع الخاص، وهو دور لم يكن ليتحقق لولا إدراك المرأة لدورها الوطني في التنمية والنهضة، وفهمها بأن الوطن في حاجة لجهود الجنسين من الرجال والنساء معاً وسواء بسواء لتحقيق طموحاته وأهدافه.
بعد هذه الجهود في تحقيق عملية المشاركة بين الجنسين، جاء إعلان «الرياض عاصمة للمرأة العربية» لعام 2020م، تحت شعار «المرأة وطن وطموح» من قبل لجنة المرأة العربية تحت مظلة جامعة الدول العربية، متوجاً لما شهدته المرأة السعودية من تقدم وتبؤوها لمناصب مرموقة، إضافة إلى حضورها اللافت في مختلف المحافل محلياً وإقليمياً ودولياً مبرهنةً على حجم قدرة عطائها ولتكون أنموذجاً لثقة القيادة بإمكاناتها واستحقاقها لهذا التمكين، مما جعلها تشارك المجتمع الدولي أهم القضايا وإيصال صوتها.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - كان مهتماً بإقرار السياسات والتشريعات، لذلك كان حريصاً على الاعتراف بأن المملكة انطلقت في رحلة إصلاحية غير مسبوقة، بشهادة المجتمع الدولي، لتمكين المرأة ودعم مشاركتها في التنمية الوطنية من خلال هذا النهج الشمولي، وافتخر خلال رئاسة مجموعة العشرين بالعمل المميز لمجموعة تواصل المرأة 20 من خلال مساراتها المختلفة وترحّب بتوصيات المجموعة في هذا المجال، والتي تلائِم نهجها الشمولي في تمكين المرأة. وتأكيده على أن النساء هن مصدر التطور لأي مجتمع.
بل إن سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ذهب إلى أبعد من ذلك، بتأكيده أن مشاركة المرأة هي إحدى أولويات الدولة، وأن دعم المرأة وتهيئة البيئة والإمكانات اللازمة لانضمامها الكامل في التنمية والنهضة هو منهج مستمر، وسيستدام بسياسات وتشريعات تؤكد دورها كمشارك رئيس وفاعل في نواحي مجالات التنمية وصناعة المستقبل.
لذلك تظهر مؤشرات دور المرأة في المرحلة القادمة والمملكة في العام الخامس من تطبيق الرؤية السعودية 2030، في أعلى درجات الفاعلية والحضور؛ لأن الهدف كبير، والطموح عالٍ، والعزيمة مرتفعة، وإذا كانت شراكتها في عملية التنمية والبناء خلال السنوات الخمس الفائتة، تقل عن 30 في المائة، فإن المرحلة المقبلة، ستستدعيها لتجاوز تلك النسبة، وتحقيق المنجزات في ذلك، ليس في التشارك بين الجنسين والتكافؤ في الفرص فقط، بل في القيادة والتأثير لصياغة غدٍ أفضل بالمساندة بين السواعد للرجال وبين الأيادي الناعمة للنساء.
وما تم إنجازه حتى الآن، والنهج الحكومي المستدام في هذا الاتجاه وعلى كافة المستويات، يحمل مبشرات ذلك.
وقفة:
حين سئل غازي القصيبي -رحمه الله-: خلف كل عظيم امرأة. فمن وراءك؟
أجاب: إذا أردتم الحقيقة! كلهن في الأمام، ونحن نركض خلفهن.