يقدمها: د. سعد بن إبراهيم العريفي:
الأهمية: تنبع أهمية مدينة الرياض كونها عاصمة المملكة العربية السعودية، وموطن للعديد من الحضارات القديمة البائدة، وموئل لعدة قبائل، من أشهرها بنو حنيفة، الذين كان لهم دور مؤثر في قاعدتهم حَجْر اليمامة، ولهم مواقف مشرفة مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
كما أن هذه المنطقة معبر للكثير من رحلات الحج والتجارة، وقد وصفها غير واحد من البلدانيين والرحالة مثل الهمداني وناصر خسرو وابن بطوطة وابن فضل الله العمري وغيرهم بأنها عامرة ومزدهرة والسلطة فيها لبنو حنيفة.
وقد صارت حَجْر اليمامة بعد أن فرقتها النزاعات السياسية إلى عدة بلدات صغيرة مثل معكال ومقرن، إلى أن أصبحت لاحقاً تسمى بالرياض.
وقد اعتلى شأن الرياض بعدما اتخذها الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عاصمة للدولة السعودية الثانية عام 1240هـ/ 1824م. وأصبحت أكثر شأناً حينما استعادها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1319هـ/ 1902م، وجعلها عاصمة لبلاده، وبنى عليها سوراً فأصبحت آمنة، وأنشأ فيها الأحياء (الحلل) فاتسعت دائرة المدينة، وأصبحت جامعة للكثير من أطياف المجتمع. لذا فكر الملك عبدالعزيز بالخروج منها للضواحي خارج السور، فبنى مجمع قصور المربع، ثم أنشأ قصور الفوطة في جنوبه، فكان ذلك إيذاناً بالتفجر العمراني للمدينة، وجعلها ذات بيئةٍ جاذبةٍ للسكان، فاتسعت الأحياء، وأزيل السور، وأصبحت الرياض مدينةً عصريةً ذات عمقٍ تراثيٍ وحضاري.
الجهود السابقة: قامت جهود كبيرة منذ منتصف القرن الهجري الماضي في سبيل تطوير مدينة الرياض، فصمم لأجل ذلك مجمع قصور المربع في شمال المدينة، خارج السور، ثم بناء قصور الفوطة في جنوب المربع، تلا ذلك إزالة السور عام 1370هـ/ 1950م بعد الاتساع العمراني بين الأحياء خارج السور وداخله، ثم تخطيط الرياض بشكل عصري يتوائم مع العدد السكاني والعمراني، فكانت من كبرى مشاريع التطوير هي: تطوير منطقة قصر الحكم، في الفترة 1393 - 1421هـ، وكانت هذه نقلة نوعية في تطوير وسط الرياض، زامن ذلك إنشاء مركز الملك عبدالعزيز التاريخي في منطقة المربع وما حولها عام 1419هـ، فكان ذلك مؤشراً هاماً للاهتمام بهذه المرتكزات التراثية، وتأهيلها للجمهور. كما كان الاهتمام بوادي حنيفة وروافده قائماً، وأصبح متنزهاً فريداً يروده الكثير من سكان مدينة الرياض وزوارها. هذا إلى جانب الاهتمام بالدرعية التاريخية وتأهيلها، وكذلك إنشاء منطقة السفارات وجعلها نموذجاً فريداً تفخر بها الرياض، وغيرها من المشاريع الكبرى.
المقترحات: يجد المتتبع لتاريخ تطور مدينة الرياض أنها تستحق أكثر مما هي عليه الآن، ولدعم الجهود الحثيثة من قبل الهيئة الملكية لمدينة الرياض ووزارة الثقافة ممثلة بهيئة التراث لتطوير وسط مدينة الرياض تجدون في التالي بعض المقترحات:
- العمل على ترميم وتأهيل مباني وسط المدينة على أسس علمية تستند إلى الصور والخرائط والأبحاث العلمية.
- من المهم مشاركة الأفكار والرؤى مع الخبراء والجهات والمراكز العلمية وبيوت الخبرة ومن أبرزها: دارة الملك عبدالعزيز.
- لابد من توجيه الباحثين في الجامعات ومراكز البحث العلمي لإبراز الوجه الحضاري لمدينة الرياض عبر العصور.
- وضع تصور على أساس علمي دقيق لإحياء مدينة الرياض بالشكل الصحيح، لأن خطط التطوير السابقة حسب ما وجدتها تفتقد للكثير من الأسس التراثية، مثل:
* قبل بداية أعمال الترميم لا بد من عمل دراسات علمية للمواد المستخدمة في عمران الرياض القديمة، مثل: أنواع الطين والخشب، ووقت استخدامهم، والمواد المضافة إليهم، وذلك للخروج بتصور مبني على أساليب علمية أصيلة لترميم وإحياء ما تبقى من المظاهر التراثية العمرانية في الرياض على أسس صحيحة.
* كما يعلم الكثير من المختصين فإن الرياض بنيت على مدينة حجر اليمامة، تلك المدينة الشهيرة في التاريخ، التي كانت سوقها عامرة، ويرودها الكثير من الشعراء البارزين، وفيها مزارع تعد سلةً غذائية لبعض أقاليم الجزيرة العربية. فلو أجريت مسوحات أثرية ومجسات اختبارية في أماكن معينة يراها الخبراء للخروج بتصور حول الإرث الحضاري للرياض القديمة والتنقيب عنه.
* كثير من المعالم العمرانية التراثية فيها مظاهر عبث من كتابة بالطلاء، أو إضافة الاسمنت، أو غير ذلك، لذا من المهم تعديل هذا العبث بالشكل الصحيح.
- لو كان للأحياء القديمة داخل السور رمزية ما، مثل: كود عمراني، وألوان للوحات الإرشادية مغايرة عما هي عليه خارج السور لأعطى ذلك رمزية رائعة للرياض القديمة.
- إحياء بوابات الرياض القديمة، مثل ما تم في بوابة الثميري، والبوابات معروفة ومرصودة، وإحيائها على الأسس القديمة التي كانت عليها، لتعطي لمدينة الرياض بعدها التراثي الضارب في عمق الحضارة الإنسانية.
- كثير من المعالم العمرانية التراثية في وسط الرياض بدون إرشاد يعرّف بهذا المعلم بشكل مؤصل وعلمي، فلو رصدت هذه المعالم، ووضع لها تعريف باللغتين العربية والإنجليزية لكان ذلك إضافة رائعة في سبيل تطوير الرياض.
- إبان تطوير الرياض يجد الباحث بعض الملاحظات التي ينبغي الانتباه لها، مثل:
* كان مجمع قصور المربع محاطاً بسور حجري، أزيل إبان إنشاء مركز الملك عبدالعزيز التاريخي.
* قصور الفوطة الشرقية شبه مهملة.
* قصور الفوطة الغربية أزيل بعضها بسبب الإهمال.
* قصور الفوطة الجنوبية الخمسة أزيلت بالكامل.
* الأسواق التراثية المجاورة لقصر الحكم نقلت لمواقع جديدة، وبعضها أزيل وانتهى دوره.
* تطوير حي الدحو اختلط بالأحياء المجاورة له، وأضيف له مظاهر لم تكن فيه سابقاً، والأولى إعادته كما كان عليه، خصوصاً وبعض الأصول العمرانية فيه ما زالت قائمة.
أشكر القائمين على تطوير مدينة الرياض، وأرجو أن تحاط جهودهم المبذولة بالتوفيق وأن تكلل النجاح.
** **
د. سعد العريفي - باحث متخصص في تاريخ المملكة العربية السعودية