عبده الأسمري
ابن بار في موازين الوطنية.. واسم سار في ميادين المهنية.. ومثقف في مضامين النخبوية.. لاح بريقه في سماء «الأدب» ولوح ببارقة «الحلول» من «مرتفعات» المسؤولية.. ماكثاً في «مستويات» المواطنة.. بقيمة التواضع وقمة التهذيب.. متخذاً القلم الأحمر لرسم الخطوط الفاصلة بين الحرية والهوية.. والقلم الأخضر لتشكيل الحظوظ الموصلة بين الأمنية والتنمية.. اتخذ من «الجوف» مخزناً مكانياً ومنبعاً إنسانياً ونبعاً تاريخياً لصياغة «الوصوف» المعرفية وصناعة «الحروف» الأدبية.. فكان «الوفي» لمسقط رأسه والمستوفي لهمة ذاته..
إنه الكاتب والشورى والأكاديمي ونائب وزير العمل السابق الدكتور عبدالواحد الحميد أحد أبرز المثقفين ورجال الفكر والتخطيط والاقتصاد..
بوجه دائري شمالي الملامح مثالي المطامح.. وتقاسيم ممتلئة بالنباهة مكتظة بالنباغة مع شخصية جادة طموحة خليطة من الهمم والقيم وعينين واسعتين تتحركان بتروٍ وتسكنان بإنصات من خلف «نظارة» لا تفارقه ومحيا قويم يعتمر الملابس الأنيقة البعيدة عن التكلف وكاريزما ينبع منها الرقي ويعلو فيها النبل ويغلب عليها الذوق مع صوت متوسط «النبرة» تسمو فيه عبارات «السداد» واعتبارات «الاقتصاد» وتزهو منه مفردات فصيحة وانفرادات حصيفة.. قضى الحميد من عمر سنوات وهو يملأ مكانه مسؤولا ويعمر مقامه مثقفاً ويكمل مهماته قيادياً.. واضعاً اسمه في قوائم «الكبار» مخلفاً ذكره في مقامات «الاعتبار»
في حي «الشعيب» بالجوف ولد الحميد عام 1953 وابتهجت سكاكا وأحياؤها البسيطة بزغاريد «الفرح» واكتظت أرجاء المدينة بمواعيد «المرح» في منزل متواضع كان يبتهج بالمواليد وينهج بالتقاليد.. وتفتحت عيناه على أب متعلم وأم كريمة ونشأ بين أحضان «تنشئة حميدة» حيث أسبغ عليه والده بنصائح «الفلاح» وأغدقت عليه والدته بدعوات «التوفيق» فأقام صرح طفولته أمام بصر «الاهتمام» وأسس دوافع تعليمه حول «نظر» الانتظام فكبر وفي قلبه «رياحين» المعطيات موجهاً «بوصلته» نحو ميادين «الأمنيات».
ركض الحميد بين أحياء اللقايط والتحتي والضلع مستنشقاً عبير البخور في أسواقها «الشعبية» ونسيم البكور بين بيوتها «الطينية» مراقباً مراسم «الكرم» في منازل الطيبين ومواسم «الفرج» في بشائر الكادحين.. متأبطاً كشكوله «الصغير» الذي ملأه بأماني «البراءة» ومعاني «العفوية» مقلباً صفحات «الحنين» في مكتبة والده الصغيرة جاعلاً من «المعارف» وجبة يومية كان ينهيها بجمع غنائم «قصاصات» الصحف ليخبأها بين كتبه الدراسية معلناً قدوم مشروع بشري من جوف «النبوغ» إلى سطح «التفوق».
ارتبط بالقراءة باكراً وامتلك مهارة الكتابة مبكراً فوظف مواهبه لرسم مشاهد «الشغف» المعرفي حيث ظل ثاوياً في محيط مكتبة عبدالرحمن السديري التي شكلت له موطناً للأرصدة المعرفية إضافة إلى جمعه المبكر لكل ما ينتمي لمنطقته وكل ما يقترن مع هواياته..
أكمل الحميد تعليمه العام بتفوق مولياً قبلة رحلته الجامعية إلى جدة حيث التحق عام 1971 بجامعة الملك عبدالعزيز ثم إلى أمريكا التي حصد منها دكتوراه في الاقتصاد عام 1984 وعمل أستاذاً في جامعة البترول بالظهران واختير عضواً بمجلس الشورى وعمل وكيلاً لوزارة العمل للتخطيط والتطوير، وأميناً عاماً لمجلس القوى العاملة ومدير عاماً مكلفاً لصندوق تنمية الموارد البشرية، ثم تعين نائباً لوزير العمل وكتب عشرات المقالات في عدد من الصحف السعودية وعمل في قطاع الإعلام كرئيس لتحرير مجلتي «الاقتصاد»، و«سعودي كوميرس» الإنجليزية ونائباً لرئيس تحرير صحيفة «اليوم».
وله عدة إصدارات منها «اقتصاديات التعليم: استثمار في أمة»، و«السعودة أو الطوفان» و«سنوات الجوف» و«قضايا وتساؤلات في الشأن الاقتصادي» وتم تكريم الحميد في عدة محافل وله عضويات في عدة جهات..
حمل الحميد هم منطقته «الجوف» بأبعادها المكانية وأمجادها التاريخية وأعدادها السكانية متخذاً منها «نقطة» ارتكاز لمطالب اتجاهات أخرى من الوطن فظل يسخر «قلمه» ويرضخ فكرة لخدمة مجتمعة ونفع وطنه في آفاق المنال وفي انبثاق الآمال..
تمكن «الحميد» من ترويض صعوبات «الزمن» لحل «إشكاليات» التطور وتفويض صلاحيات «التخطيط» لتنظيم مسارات التجديد.. فكانت له بصماته «الواعدة» في معالم «القيادة» وخطواته الصاعدة على سلالم «الريادة» حيث واءم بين شؤون المتطلبات ومتون الإنجازات منتجاً «حلولاً» مستديمة لردم فجوات «الأخطاء» في معاني العمل المؤسساتي في الجهات التي عمل فيها كصاحب صلاحية ومالك توجيه وموجه رأي.
عبد الواحد الحميد الرقم «الصعب» في معادلة التميز و«الناتج» الصحيح في متراجحة الامتياز.. والقيادي الفالح الذي وضع من الدافعية «مبدأ» للنجاح ومن العصامية «مبتدأ» للكفاح ومن التخطيط وسيلة للإنجاز ومن التنفيذ غاية للاعتزاز مشعلاً «الضياء» في ردهات «التحديات» بفكر مختلف وذكر متفق..