محمد سليمان العنقري
عديدة هي القطاعات التي تأثرت سلباً بالتداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا عالمياً، ولعل قطاع السياحة وخدماته الداعمة له من أكثر المتأثرين. ورغم الإجراءات التحفيزية التي اتخذتها الاقتصادات الكبرى وتحديدًا التي يعد قطاع السياحة ركيزة أساسية بناتجها المحلي مثل أوروبا وأميركا إلا أنه لا يتوقع أن يعود النشاط السياحي في العالم وبهذه الدول التي تعد القائدة في نشاط السياحة إلى ما قبل جائحة كورونا هذا العام على أقل تقدير، فقد يكون هناك أداء أفضل لكن دون المأمول، ولن يرقى لتعويض الخسائر التي لحقت به، فقطاع الطيران لا يتوقع أن يعود لحيويته قبل النصف الأول من العام القادم، وما فُقد من وظائف بقطاع السياحة لن تعود بسهولة بل إن بعضها تبخر نهائياً بسبب العوامل الاقتصادية السلبية للجائحة والتطور باستخدامات التكنولوجيا التي ستقلص الحاجة للعديد من الوظائف بمختلف القطاعات الاقتصادية ومنها السياحة.
فالتوقعات لنشاط السياحة ستتغير كثيراً هذا العام من حيث وجهات السياحة، فالمتوقع أن يرتفع النشاط السياحي داخلياً وأن يبقى منخفضاً في السياحة الخارجية حيث ستكون الرغبة محدودة باستخدام الطيران للسفر الخارجي للسياحة، وذلك نظراً للتوقعات بأن يكون توزيع اللقاحات عالمياً ليس بالسرعة المطلوبة لاستباق موسم السياحة بالصيف القادم، ومع توجه العديد من الدول لطلب ما بات يسمى بجواز التطعيم الذي يثبت حصول من يرغب بزيارة تلك الدول بأخذه للتطعيم، فإن أعداد الراغبين بالسفر الخارجي للسياحة ستنخفض، هذا بخلاف عدم احتواء الوباء في الدول المعروفة كوجهات سياحية رئيسة بالعالم، فهذه العوامل وغيرها ستعزز من نشاط السباحة الداخلية لأنها أقل تكلفة ولن يكون فيها اشتراطات غير تقليدية كجواز التطعيم، إضافة إلى ثقة السائح بحالة الوضع الوبائي في بلده حيث يحصل على المعلومات من مصادر عديدة وموثوقة.
ومع هذه الأوضاع العامة التي تؤثر بقطاع السياحة عالمياً والتوقع بأن يتركز النشاط داخل الدول فإن قطاع السياحة بالمملكة على موعد مع فرصة ذهبية لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، وقد تكون فرصة لتغيير خارطة السياحة في ذهنية المجتمع، فالعام الماضي شهد ارتفاعًا في نشاط السياحة الداخلية في النصف الثاني لكن العام الحالي قد تكون الفرصة أكبر للاستعداد لموسم سياحي أكبر هذا العام في مختلف المناطق التي تعد وجهة سياحية صيفية خصوصاً في مناطق ذات أجواء معتدلة، إضافة إلى المناطق الساحلية، فالمعطيات الحالية تشير إلى أن السياحة الدولية ستبقى ضعيفة، ولذلك ستتركز الوجهات إلى الداخل مما سيسهم بتعريف أوسع بمختلف الوجهات السياحية الداخلية مع أهمية التجهيز للبرامج الترفيهية، وكذلك تطوير وتوسيع الخدمات المطلوبة لدعم نمو القطاع وجذب الاستثمارات له، فبعض التقديرات تشير إلى أن فاتورة السياحة الخارجية تصل إلى أكثر من 50 مليار ريال سنوياً، وهو ما يظهر حجم الفرص التي يمكن الاستثمار بها داخلياً بقطاع السياحة.
رغم أن تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية كبيرة لكن كما يقال من رحم الأزمات تولد الفرص، فقد تكون الآثار السلبية لهذه الجائحة على الوجهات السياحية الدولية فرصة للنهوض بالسياحة الداخلية وحرق المراحل التي كان يتطلبها الترويج لها مع الحالة الوبائية الدولية وتأثيرها السلبي على التوجه للدول السياحية المعروفة التي كانت تستأثر بالحصة الكبرى من حجم قطاع السياحة الدولي.