فدوى بنت سعد البواردي
هناك مقولة «إن البيانات هي النفط الجديد»، وبالفعل، تعد البيانات ثروة لمن يجيد استخراجها وتحليلها واستخدامها.
اليوم، توجد آليات تقنية متطورة لجمع وتحليل البيانات المختلفة، في أنظمة ترتبط بكافة مجالات الحياة، بدءاً من معلومات الأفراد الشخصية والعائلية، إلى المعلومات الصحية والبنكية، ووصولاً إلى بمعلومات التسوق الخاصة بالأفراد. وكذلك، أصبحت هناك مصادر كثيرة من الممكن خلالها الحصول على تلك البيانات سواء بطرق قانونية وأخلاقية، أو بطرق غير قانونية مثل بيع البيانات من قبل بعض الشركات للربح غير المشروع، أو عن طريق الاختراق للأنظمة وهو ما يعرف بمفهوم hacking.
ولذلك، تعتبر أخلاقيات علم البيانات هي النصوص والتشريعات التي تمكننا من معرفة ما هو الصواب وما هو الخطأ خلال التعامل مع البيانات.
وبالمقام الأول، يجب الاهتمام بالعديد من العناصر المهمة الخاصة بالبيانات والتي تساعد في عمل تلك التشريعات، مثل حوكمة البيانات وتحديد ملكيتها، وجودتها، وتصنيفها، وخصوصيتها، وصلاحية الوصول والاستفادة منها، وكذلك حماية البيانات وأمنها، وغيرها من العناصر ذات الصلة.
وبهذا الخصوص، يوجد سؤال مهم يتعلق بأخلاقيات ملكية البيانات: هل كل من قام بإنشاء البيانات، أو إنشاء المحتوى، يعد هو المالك لهما..؟
الإجابة بعكس توقعات الكثيرين هي: لا. ليس كل منشئ للبيانات أو المحتوى هو بالضرورة مالك لهما. كمثال، يعتبر موقع ويكيبيديا من أشهر ناشري المحتوى والبيانات، وذلك بعد أن قام الموقع بجمعها من عدة مصادر أولية (من أفراد قاموا بإنشائها). ومن ثم، تمت إعادة صياغة للمحتوى ونشر لتلك البيانات والمعلومات في الموقع، ثم جعلتها ويكيبيديا متاحة للعامة بصورة مجانية، وهو ما يعرف بمصطلح Crowd-sourcing. وكان هدف موقع ويكيبيديا هو «جمع معرفة البشر في مكان واحد»؛ لتكون مرجعاً رئيسياً ومفضلاً للبحث، من قبل الجميع، في الإنترنت، وفي صفحة سياسات الموقع، أوضحت ويكيبيديا انه «لا أحد يملك المحتوى» في موقعها وذلك يشمل المقالات وجميع صفحات المعلومات والبيانات.
وتوجد العديد من الشركات الأخرى التي تجمع البيانات من منشئيها، وتعمل بذات الطريقة مثل شركتي TripAdvisor وYelp وغيرهما، حيث يقوم القراء بكتابة التعليقات في تلك المواقع، ومن ثم تصبح تلك التعليقات في متناول الشركات، وليست ملكية لمن كتبها. وبالتالي، يمكن لتلك الشركات التصرف الكامل في هذا المحتوى وتلك البيانات الجديدة التي تم تجميعها والحصول عليها، سواء ببيعها أو نشرها للعامة بصفة مجانية.
ومن الجدير بالذكر، فإن سبب حصول تلك المواقع على حق التصرف في المحتوى هو أنها قامت بجهد كبير في توفير آلية جمع المحتوى والبيانات، وإنشاء وظائف تلك المواقع، وتحليل البيانات بها، لجعلها محتوى ذا فائدة وقيمة للقراء.
وبالمقابل، لكي يتم حفظ حقوق الأفراد للمحتوى خاصة الذين يفضلون الاحتفاظ بملكيتهم، توجد سياسات متبعة لحقوق الملكية الفكرية وكذلك حقوق النشر، تمكنهم من ذلك.
ويوجد عنصر آخر مهم في مجال أخلاقيات علم البيانات، وهو ضرورة أن تكون البيانات ذات جودة عالية ويمكن الوثوق والاعتماد عليها. كمثال، إذا تم رفض طلب قرض بنكي لأحد الأشخاص بناء على بيانات خاطئة مدخلة في النظام أو بسبب تحليلات تقنية غير صحيحة؛ فمثل تلك القرارات، والتي قد تؤثر سلباً على حياة الأفراد، يجب أن يتم اتخاذها، بناء على أساس قوي عادل، ناتج عن التحليل السليم والجودة العالية للبيانات. ولذلك، توجد جهود كثيفة من أجل تعزيز نضج وجودة البيانات في مختلف القطاعات بدول العالم.
من ناحية أخرى، يعد تصنيف البيانات وتحديد مدى سريتها وخصوصيتها، وحمايتها، من أهم وأكبر تحديات أخلاقيات علم البيانات، حيث يوجد الكثير من القلق لدى الكثير من الأشخاص أن يتم اختراق الأنظمة والوصول إلى بياناتهم السرية أو الخاصة وإساءة استخدامها مثل كلمات المرور للحسابات البنكية أو أرقام الهويات الشخصية وغيرها، أو أن يتم بيع تلك البيانات بصورة غير قانونية أو شبه إلزامية مثل ما يحدث حاليا مع برامج المحادثة سواء الواتساب أو فايس بوك وغيرها. ومن المرجح أن يقل عدد مستخدمي تلك البرامج نتيجة لعدم وجود خصوصية وحماية لبياناتهم.
ولذلك، ومن منظور آخر، يعد منظور أشمل، أصبح الأمن السيبراني من الخطوط الأمامية المهمة المتعلقة بأخلاقيات علم البيانات. وذلك لأن الأمن السيبراني يهدف إلى حماية الشبكات والنظم إلى جانب حماية الأفراد والبيانات الخاصة بهم. وقد شاركت هيئة الأمن السيبراني السعودية مؤخراً، خلال شهر ديسمبر 2020، في البرنامج العالمي لحماية الأطفال بشراكة استراتيجية مع وكالة الأمم المتحدة المتخصصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويهدف ذلك البرنامج لحماية الأطفال اثناء استخدامهم شبكة الإنترنت وتوفير برامج لرفع الوعي وتطوير السياسات ذات الصلة.
كما أنه في عالم الأمن السيبراني، يوجد مصطلح يعرف بالاختراق الأخلاقي أو ethical hacking وذلك باستخدام برمجيات ووسائل تقنية للمساعدة في الكشف عن نقاط الضعف في الشبكات والأنظمة التقنية؛ من أجل تعزيز قوتها وحمايتها من الاختراقات الخطرة والتي قد تمس أمن البيانات بها.
وكافة تلك الجهود التقنية الكبيرة الحالية، تسعى إلى تحقيق أهداف أخلاقيات علم البيانات عن طريق الامتثال باللوائح القانونية ومدونات الأخلاقيات - وهي ما يعرف بمصطلح Code of Ethics - لدى المنظمات، والامتثال كذلك بالسياسات الخاصة بجمع البيانات وتصنيفها وتحليلها وصلاحيات مشاركتها مع الآخرين وكذلك حمايتها.
ومع وجود العديد من التحديات المصاحبة للتقنية في مجال الخصوصية والجودة، إلا أن جهود المملكة العربية السعودية كبيرة ومستمرة في تلك المجال لضمان وجود فعال لأخلاقيات علم البيانات.