عطية محمد عطية عقيلان
تحمل بعض الردود طابعا كوميديا في ردات فعلها وتعليقها على الأحداث، وتمتاز بأنها تبعث على الابتسامة وتدل على فطنة وسرعة بديهة قائلها، وأحيانا تكون العفوية والتلقائية هي منبع هذا الرد الساخر، ورغم ما تحمله بعض الردود من كلمات قاسية إلا أن قالبها الساخر يخفف من حدتها وتجعلنا نتقبلها وتضحكنا. ومن القصص الجميلة في فن الرد الساخر ما دار بين الشاعرين حافظ إبراهيم وأحمد شوقي من مناكفة وسخرية بالرد بينهما، حيث تبادلا هذه الأبيات بينهما، فقال حافظ إبراهيم:
يقولون إن الشوق نار ولوعة
فما بال شوقي اليوم أصبح باردا
فرد أحمد شوقي عليه:
استودعت إنسانا وكلبا أمانة
فضيعها الإنسان والكلب حافظ
هذه الردود رغم ما تحمله من مضامين قاسية إلا أن روح السخرية والدعابة والطرافة فيها خففت من وطأة كلماتها، وهذا الفن في الرد الساخر اشتهر به أيضا الأديب جورج برنادشو في ردوده مع من يقابلهم فقد قال رجل له: أليس الطباخ أنفع للأمة من الشاعر أو الأديب؟ فقال له: الكلاب تعتقد ذلك أيضاً، وقال له كاتب مغرور: أنا أفضل منك فإنك تكتب بحثا عن المال وأنا أكتب بحثا عن الشرف، فقال له برناردشو على الفور: صدقت كل منا يبحث عما ينقصه، وأيضا من القصص الجميلة في أدب الرد الطريف والجميل، وقف رجل من العامة بجوار أبي العيناء، وكان أعمى فلما أحس به، قال من الرجل، فقال رجل من بني آدم! فقال أبو العيناء ظننتُ أنَ آدم مات ولم يخلف ذرية، ويحكى عن الرشيد أنه كان في داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: «ما هذه؟» فقال: «عروق الرماح يا أمير المؤمنين»، ولم يُرِدْ أن يقول الخيزران، لموافقته اسم أُمِّ الرشيد، وجاء رجل إلى الإمام أبي حنيفة النعمان وقال له: إذا نزعتُ ثيابي ودخلتُ النهر أغتسل فإلى القبلة أتوجه أم إلى غيرها؟ فقال له الإمام: الأفضل أن يكون وجهك إلى جهة ثيابك لئلا تُسرق، فسرعة البديهة في الجواب المفحم الطريف له أثر في التصاق الجواب وسرعة تداوله بما يحمله من فطنة في الرد لأن المواقف الساخرة تبعث على الابتسامة لكل من يتلقاه وهذا يسهم في سرعة انتشاره.
ومن هذه القصص أراد رجل إحراج المتنبي.. فقال له: رأيتك من بعيد فظننتك امرأةً! فقال المتنبي: وأنا رأيتك من بعيد فظننتك رجلًا!، ومنها أيضاً قالت سيدة لتشرشل رئيس وزراء بريطانيا في البرلمان: «لو كنت زوجي لوضعت لك السم في القهوة». فأجابها: عزيزتي.. لو كنت زوجتي لشربتها على الفور. ومن الإجابات الطريفة التي تقلب كالسحر على من يحاول التقليل والاستهزاء بالآخرين، قصة جحا عندما أقبل على قريته فرد عليه أحد أفرادها قائلاً: لم أعرفك يا جحا إلا بحمارك، فقال جحا: الحمير تعرف بعضها.
لذا في حياتنا نجد أن بعض الأجوبة تضايقنا وتزعلنا ونتحسس منها إلا أنها في غالب الأمر هي ردة فعل طبيعية على ما نقوله من تعليقات أو أسئلة أو استخفاف، فكما سمحنا لأنفسنا بالهمز واللمز وإطلاق النكات والتعليقات الساخرة على الآخرين لا بد أن نتقبل ردات فعلهم وتعليقاتهم وإن كانت أحيانا أقسى منها، لنحرص أن تكون كلماتنا مهذبة ومؤدبة ولا نبحث عن إضحاك الحضور بتعليقاتنا على الآخرين، وأضعف الإيمان أن نتحمل ردات فعلهم على ذلك الاستفزاز من قبلنا.
وأختم بقصة طريفة على فن الرد المناسب للبيئة والمكان والزمان على استفسارات وأسئلة الناس حيث سأل أحد المتصلين الشيخ عبدالله المطلق قال له: يا شيخ يجوز اكل لحم البطريق؟ قال له الشيخ: إذا لقيته كله.