محمد ناصر الأسمري
تسلمت ببالغ الشكر والتقدير من الصديق العزيز سمو الأمير المهندس عبد العزيز بن محمد بن عياف الأمين السابق لأمانة منطقة الرياض كتابه المعنون: (الإدارة المحلية والقطاع البلدي، التحديات والفرص الضائعة).
مزج ابن عياف الأستاذ الجامعي في جامعة الملك سعود المتخصص في التخطيط الحضري بين منهيته كمعلم في الجامعة يثري النقاش والتدريس لطلابه في الهندسة والتخطيط العمراني وبين عمله الوظيفي الحكومي المتسم بالبيروقراطية المتأرجحة بين المركزية واللامركزية، حين عاش وتعايش مع أنماط إدارية متوارثة حاول أن يتخلص من بعضها ولم يستطع، وتعايش مع بعض منها بتمكين الاستخارة والاستدارة.
والهندرة مصطلح في العلوم الإدارية والهندسية حيث يمزج بين الإدارة والهندسة،
لعل ما ميز كتاب العزيز الأمير المهندس ابن عياف إسهابه في الخطى والخطوات في الاستنارة والاستشارة ممن خير ومارسوا العملية الإدارية في الحكم المحلي، وفي مقدمتهم الأمير سلمان بن عبد العزيز حاكم الرياض ثم ملك البلاد الذي كان له ثمين الدعم والمساندة والمؤازرة في مسارات تطور وتطوير عاصمة الوطن، وهو الذي قضى جل عمره حانيًا ومحبًا للرياض المدينة العينة المثال لكل الوطن لما مثلته من تنوع أطياف من أبناء الوطن من كل المنابت والأصول لتشكيل صورة الوطن، حيث كانت المدينة (الرياض) مدينة صهر اجتماعي جميل.
كتب الأمين ابن عياف مقدمة ضافية أوضح فيها كيف أن التحدي الحقيقي أمام المدن السعودية هو في انتقالها من الاعتماد الكلي على الدولة في تكوين ميزانياتها إلى الاعتماد الذاتي على إيراداتها واستثماراتها البلدية في دعم ميزانياتها، مشيراً أنه للخروج من هذا المأزق فلا بد للعمل البلدي ولإدارة المدن من التفكير خارج الصندوق وبعيدًا عن رادار مظلة العمل البلدي التقليدي الحالي بفكر جديد وخلاق.
وأوضح الأمين ابن عياف أيضاً (أنه لا مناص من إعادة هيكلة التركيبة والمرجعية المؤسسية الإدارية للبلديات والدفع بها نحو الاستقلالية المالية والإدارية، وجعل القطاع البلدي جاذبًا لأفكار ومبادرات جديدة وجريئة، وتفعيل دور الخصخصة المدروسة لعدد من الخدمات المقدمة).
لم يكن الأمين ابن عياف مخاطبًا في مؤلفه هذا الوسط الأكاديمي وحسب بل فئات متنوعة ممن يعنون بقضية التنمية ومستقبلها في المملكة، مسؤولين وعاملين ومثقفين.
ركز الكتاب على الإدارة المحلية والصالح العام، محاولاً التذكير بالعوائق أن انفراد بيروقراطية الوزارات الرئيسة الانفراد بالقرار بأيدٍ محدودة يحيل الجميع في علاقاتهم بالمركز إلى تابع جامد ملزم بنمط جامد ذي اتجاه واحد حاجز لأي أفكار متنوعة أو مخالفة لهم هو معتاد، وأن في هذا مجال لتولد الفساد والإفساد، مشيراً أنه للخرج من نظام كهذا فلا بد من تفعيل السلطة التشاركية الشعبية من خلال المجالس البلدية والهيئات الاجتماعية المحلية مما يعبر عن سكان المناطق.
تحدث الكتاب عن الطفرات السكانية لمدينة الرياض وتأثير الهجرات إليها من مختلف مناطق الوطن لتركز فرص العمل والتجارة والاستثمار ونمو السكان حتى قارب ستة ملايين نسمة.
الكتاب مليء بأفكار جريئة متطورة لتطوير العمل البلدي والإدارة الديموقراطية له، معترفًا بتحقق بعض ما تراءى له وتعثر بعض، لكن العمل بعزيمة وإصرار وتعاون العاملين مع الرجل في أمانة منطقة الرياض كان فاعلاً من خلال التغيير الإيجابي لمستوى المنجز والقدرة على تطوير مبادرات ذات نوعية مميزة.
ركز الكتاب على محاولة الاستعانة بخبرات عالمية لتطوير العمل البلدي في مدينة الرياض من خلال تعزيز اللامركزية والتأسيس لنهج الإدارة المحلية حين أصبحت الرياض مجموعة مدن، وذلك من خلال تجسير الفجوة بين مركزية قديمة ونهج جديد في إدارة لا مركزية،
استعرض الكتاب صورًا عديدة عن الرغبة في انتهاج مسار فكري لتنمية وتطوير العمل البلدي شارحًا في فصول الكتاب ما كان من تصورات وأفكار.
في ظني أن الكتاب صالح بمحتوياته أن يكون خارطة طريق لتطوير العمل البلدي في الأمانات بل وزارة البلديات، لكن اعتذر من العزيز ابن عياف أنه ليس من المناسب أن تدمج وزارة البلديات مع وزارة الداخلية من أجل توطيد الإدارة المحيلة، فهذا الأمر سيزيد حجم المركزية والبيروقراطية.
كنت أتمني لو تطرق الأمين ابن عياف إلى فكرة الاستفادة من النظم البلدية العالمية التي تفرض ضريبة بلدية على الفنادق والمطاعم التي تضاف لفواتير الخدمات المقدمة
وعلى المنوال نفسه لم أجد إشارة لما انتشر في صحار محيطة بمدينة الرياض والتي سميت شعبيًا بشاليهات، وهي مخيمات ليس لها من اسمها نصيب لكنها تستقبل مئات من الناس نهاية الأسبوع صيفًا وشتاء، وهي عمل بلدي أهلي سرعان ما يقتلع ثم يعود، ولعل أمانة منطقة الرياض وبلدياتها الفرعية تقوم بتطوير هذه المخيمات (الشاليهات) الصحراوية وتحسين محتوياتها وتنظيم مشابه لمخيم قريب منها في شرق الرياض به مخيمات من بيوت الشعر واسعة منظمة بها ماء وكهرباء وحمامات نظيفة.