غيمة ندية بالمشاعر الصادقة حملت إليّ صوته الدافئ عبر المدى، كان آخر لقائي به قبل أكثر من عشرين عامًا عندما كنا نغزل أحلامنا البكر لما نريد ونأمل.
ألفيته وألفته في كل اتصال كما هو لم يتغير إلا إلى الأحسن بقيت إنسانيته كما هي وبقيت طباعه تحن للماضي التليد، عندما كنا نتقاسم شقة مع آخرين في السكن الداخلي في جامعة الملك عبدالعزيز.
كانت ذاكرته ومازالت حية مليئة بالصور المضحكة والتلقائية التي كنا عليها وعندما يريد أن يوثق موقفا مضحكا لي ويثبت صحته أو يستفز ذاكرتي لتذكره يعيد فصولا من كلامي وبلهجتي (العسيرية) ليؤكد لي أنني قد قلت وقد فعلت.
كثيرون يتنصلون من الماضي وشخوصه وأحداثه لا لكونه سيئا ولكن لكون أيامهم الحاضرة تحتم عليهم نسيان تلك اللحظات ونسيان أصحابها، هؤلاء ليس لديهم ذاكرة أو أن ذاكرتهم مثقوبة لا تحتمل كثيرا من صور الود والحب والوفاء.
هؤلاء بلا ماض بلا ذكريات، يعيشون بلا عبرات تخنقهم عندما يعيدون أشرطة تلك الحيوات ويتناسون أن البقاء هو لتلك اللحظات العابرة والعامرة بالحب والوفاء والأمنيات، حياتهم رتيبة وأحاسيسهم عقيمة لا تولّد فيهم صور الحنين للأماكن وشوقها وأريج عطرها الفواح.
الحنين إلى الماضي ليس بكاء ولا حسرة هو وفاء لذاتك أيها الإنسان ولزمن كنت فيه وكان، وفاء لأصحاب لم يبق لهم فيك سوى تلك الصور البعيدة في أعماق النسيان متى ما بعثتها من حين إلى آخر تذكرت وذكّرت كم يجب أن تظل إنسانا أيها الإنسان.
** **
- علي المطوع