ميسون أبو بكر
يوم الاثنين الماضي توقف قلب شاعرنا الكبير، فعظم فقدنا وكبر مصابنا لفراقك، كنت أدرك تماماً في كل مرة كنت أراك وأقابلك في المناسبات الثقافية أنك كنت تتحايل على الألم، وتجبره بابتسامة لقاء الأحبة، وأنك كنت تخفي خلف محيّاك وجعاً أكبر من ذلك الذي نعرفه.
كنت دوماً أرى المرض الخبيث هزيلاً أمام تحدي إنسان مختلف هو أنت، في كل مرة أراك فيها أكذب يقيني بأنك مريض، وفي كل مرة تحدثت فيها عن المرض والمواعيد والإقامة الجبرية في المستشفيات لتلقي العلاج كنت أزعم أنك مخادع جميل تتحايل على أحبتك بالمرض لاختبار مكانتك لديهم وفي قلوبهم، ورغم لون بشرتك الداكنة الذي صبغه - الكيماوي- كنت أهرب من يقين وقوعك فريسة بقبضة السرطان.
أقلب في ذاكرة الجوال فأجد رسائلك الأبوية الدافئة، اطمئنانك المستمر، حكايا المثقفين، وقصص الثقافة والشعر التي لا تنتهي.
دواوينك الموقّعة بشهد عباراتك، قصائدك الهاربة من قبضة الرجل الشفيف، أعود بذاكرتي لجازان وعبق الشعر ولقاءات المثقفين وحضورك أبَاً روحياً لنا جميعاً، تواضعك الذي ترقّ له عتابات الأحبة، وصوتك الذي هدجه الكيمائي وأنفاسك الهادئة.
آه أيها الهارب سريعاً من قطار الحياة رغم كل المحطات التي كانت بانتظارك وكل الأحبة الذين يلوّحون لك، آه لو تقرأ سيل ألمهم واشتياقهم إليك، أنينهم ونعيهم!
سأتحايل على فقدك وأتذكر مقولة جان كوكتو» لا تبكوا هكذا إنما تظاهروا بالبكاء، فالشعراء لا يموتون إنما يتظاهرون بالموت فقط».