د. عبدالحق عزوزي
قالت المسؤولة العلمية في منظمة الصحة العالمية سمية سواميناثان من جنيف إنه «لن نبلغ (...) المناعة الجماعية في 2021»، مشددة على مواصلة تطبيق إجراءات الوقاية من فيروس كورونا. وأشارت في الوقت نفسه إلى أن إنتاج الجرعات «يستغرق وقتاً»، داعية الناس إلى «التحلي بالصبر قليلاً». وأشادت سواميناثان «بالتقدم الكبير» الذي أحرزه العلماء الذين نجحوا في تطوير ليس واحدًا بل عدة لقاحات آمنة وفعالة ضد فيروس جديد تماماً في أقل من عام.
لكنها شددت على أن طرح اللقاحات على العامة «يستغرق بعض الوقت». وأشارت إلى أن «توسيع نطاق إنتاج الجرعات يستغرق وقتاً ليس فقط بالملايين، ولكن هنا نتحدث عن مليارات» ومن ثم فستكون هناك حاجة لمواصلة اتخاذ تدابير الصحة العامة وتلك الاجتماعية التي تهدف إلى وقف انتقال العدوى «لبقية هذا العام على الأقل».
ولا جرم أن استمرار هاته الأزمة، سيكون لها تأثير سلبي على المجالات الحيوية للمجتمعات بما في ذلك الاقتصادية والمالية والاجتماعية... ففي تقرير أخير لصندوق النقد الدولي، أشار فيما يتعلق بتوقعاته الاقتصادية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى أنّ الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة سينكمش بنسبة 5 في المائة هذا العام؛ فالمنطقة التي تضم جميع الدول العربية وإيران، ستعاني من أسوأ أداء اقتصادي لها، متجاوزة الانكماش القياسي البالغ 4,7 في المائة في عام 1978 عندما كانت شاهدة على اضطرابات كبرى.. ولا يجب أن ننسى أن المنطقة شهدت في السنوات الأخيرة سلسلة من الصراعات الدموية في العديد من بلدانها، بما في ذلك سوريا واليمن والعراق وليبيا، قوضت اقتصاداتها وزادت في معدلات الفقر فيها ولم تعد قادرة على تحقيق ما كانت تنجزه من خدمات قبل نشوب هاته الصراعات؛ وللذكر فإن معدلات البطالة، تبلغ حالياً بين الشباب 26,6 بالمائة...
وإذا أخذنا دولة من الدول الصناعية الكبرى مثل فرنسا، فإنه حسب وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، فإن البلدة مقبلة على ما هو أصعب اقتصادياً مع بداية العام «أمام فيروس لا يلين»؛ وأعلن خلال جلسة عبر الفيديو مع معهد أنستيتو مونتانيو البحثي «المزيد من حالات الإفلاس مقارنة بعام 2020». وهو ما يستلزم استمرار تقديم دعم «شامل» للقطاعات التي ما زالت متأثرة بشدة بالأزمة الاقتصادية جراء تفشي فيروس كورونا، بما في ذلك قطاعات الفنادق والمطاعم والفعاليات والثقافة أو الرياضة...
هذا من جانب؛ ومن جانب تقديرات التأثيرات الجيوستراتيجية على المدى الطويل للجائحة الحالية ليست دقيقة؛ فلا يوجد تصور مستقبلي واحد مضمون الحدوث حتى عام (2030) وبدلًا من ذلك يمكن التنبؤ بإمكانية حدوث بعض من السيناريوهات المحتملة:
1- نهاية النظام الليبرالي العالمي.
2- استبداد سلطوي يشبه فترة الثلاثينات.
3- نظام عالمي تهيمن عليه الصين.
4- اجندة دولية خضراء.
5- تغييرات محلية مهمة تتعلق في الرعاية الصحية والتعليم...
ولا غرو أن اقتحام الكونغرس الأمريكي من طرف المتظاهرين الذين كانوا يلوحون برايات بعضها كتب عليه «ترامب رئيسي»، والذين عاثوا في المبنى فساداً ودخلوا إلى قاعات والتقطوا صوراً لهم فيها، مرددين ما يقوله ترامب من أن الانتخابات الرئاسية مزورة؛ وتقديم العديد من الوزراء والمستشارين لاستقالتهم، وتوالي الدعوات إلى إنهاء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلال تطبيق البند الخامس والعشرين من الدستور وهي أمور لم نشهدها في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية إلا في المسلسل التلفزيوني المشهور The House of Cards، فكل هاته الأحداث المتتالية ستجعل من النظرة الأمريكية ونظرة العالم إلى الديمقراطية تتغير كلياً...
فيقيني أن ما يجري سياسياً في الولايات المتحدة الأمريكية دون نسيان تبعات المعالجة السيئة لجائحة فيروس كورونا المستجد، قد بدأ بإحداث تراجع نسبي للولايات المتحدة في النظام العالمي، وتراجع هيبتها على نحو كبير. وكل هذا قد يؤدي إلى استمرار تآكل النظام العالمي الليبرالي وعودة الفاشية في بعض مناطق العالم. ولكن هذا لن يمنع من ولادة جديدة لليبرالية. فالأزمات الكبيرة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج غير متوقعة في العادة. فالكساد العظيم أدى إلى انبعاث النعرات الانعزالية والقومية والفاشية وإلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. غير أن ذلك الكساد نتج عنه لا محالة إطلاق مجموعة من البرامج الاقتصادية في أميركا عُرفت باسم «الصفقة الجديدة»، وبروز الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى، وتصفية الاستعمار في نهاية المطاف.