زكية إبراهيم الحجي
أن تفوز أو تتعادل أو تخسر.. في جميع الأحوال الأخلاق تدعوك أن تصافح الخصم وتبتسم له وأن تتذكر أنه مهما بلغتْ درجةُ نجاحك في أي عمل تُكلف به حتى ولو كان مقعد رئاسة فإن ذلك مرهونٌ بزمن محدد ليأتي غيرك ويعتلي المقعد ويستمر في إدارة الأمور تماماً كما اللعب على طاولة الشطرنج المعروفة وأحد أشهر ألعاب الذهن والبعد الاستراتيجي كما وُصِفت في عالم السياسة.
لطالما كان العالم أشبه بأحجية ذات طلاسم مبهمة.. واللعب على رقعة هذا العالم ما هو إلا صراع محتدم بين مختلف القوى الدولية وفق المصالح والأبعاد الاستراتيجية الخاصة بأي من القوى الكبرى لتتمكن تلك القوى من تحقيق ما يدور في عقولها، هذا عدا قوى أخرى تُقحم نفسها على الرقعة باحثة عن دور لها بأي ثمن.. ولا غروَ بأن الشعوب قد اعتادت على مشاهدة هذه الصراعات وما ينتج عنها من أضرار لكن ما لم نعتد عليه هو أن تتوزع قطع الشطرنج على رقعة الإمبراطورية الأمريكية المسيطرة بقوة على العالم المعاصر.. فإذا كانت لعبة الشطرنج مجازاً متكرراً دالاً على العلاقات السياسية الدولية وما يكتنفها من فوضى خلاقة فإن مشاهد الانتخابات الأمريكية لعام عشرين والتنافس بين الديمقراطيين والجمهوريين على مقعد الرئاسة.. ثم ما تبع ذلك من أحداث متتالية وغير مسبوقة على مدى التاريخ الأمريكي كانت بالفعل صادمة للمجتمع الدولي برمته.. فرفضُ الرئيس الجمهوري الحالي والمرشح الخاسر «ترمب» الاعتراف بالهزيمة أمام منافسه والإصرار على أن الانتخابات قد زُوّرَت وبالتالي رفض المؤسسات القضائية الاستجابة لدعاوى اعتراضه على النتائج لجأ إلى الفصل الذي كان كالقشة التي قصمت ظهر البعير.. حيث دعا أنصاره إلى اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي لحظة اجتماع الحزبين الديمقراطي والجمهوري للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية فحدث ما كان غير متوقع.. فوضى غير مسبوقة وحالة تمرد رافقتها أعمال عنف.
السادس من يناير عام 21 20 سقطت الديمقراطية التي ظلت تتغنى بها أمريكا منذ فجر التاريخ.. ما جعل الرئيس المنتخب أن يعلق على اقتحام أنصار «ترامب» لمبنى الكونجرس بقوله «الديمقراطية الأمريكية تتعرض لهجوم غير مسبوق.. وقد تكون ديمقراطية هشة» نعم وبكل تأكيد هي هشة.. فما حدث للديمقراطية الأمريكية وما يمثله الكونجرس الأمريكي من رمز للنظام السياسي الأمريكي وما يرمز له تمثال الحرية كان مشهداً تجاوز كل ما كُتِب من شعر ونثر عن الديمقراطية الأمريكية.. الصراع لم ينته والأيام المقبلة حبلى بمفاجآت غير متوقعة، فلطالما كان قناع الإنسانيات والحرية والديمقراطية قناعاً لأجندة السياسة الأمريكية والسياسة الغربية بشكل عام.. ولكن ما إن تسقط الأقنعة المزيفة تسقط معها كل المبادئ التي ينادون بها.