فقدت الحركة الرياضية بالمملكة يوم الاثنين الفائت أحد الشخصيات القيادية المؤثرة والرموز الوطنية الكبيرة التي ساهمت في وضع أسس التشييد، وإرساء دعائم البناء الرياضي الشبابي (المؤسسي) على أرضية صلبة قبل ما يقارب (ستة عقود) من الزمن، وذلك برحيل معالي الشيخ عبدالرحمن بن عبد الله أبا الخيل -رحمه الله- الذي كان يعدُّ ثالث وزير للعمل والشؤون الاجتماعية في تاريخ المملكة العربية السعودية، والفقيد الذي عُيِّن عام 1381هـ وزيرًا لهذه الوزارة التي كانت في تلك الحقبة (حديثة عهد) لتوها قد أنشئت، وتولى الوزارة قبله وزيران لكنه بقي في هذه الوزارة الفتية مدة تقارب (15 عاماً) شهدت العديد من التنظيمات الإدارية والمالية واستحداث نظام التأمينات الاجتماعية، رغم أنه كان محفوفًا بحساسيات شديدة ولكن ثقة وحكمة وهدوء الوزير الراحل مع دعم الملك فيصل -طيب الله ثراه- مكنَّه من إصدار نظام التأمينات الاجتماعية وتشريعه.. وما زالت أغلب مواده ونصوصه معمولاً بها حتى وقتنا الحاضر، ثم أُتيحت مكاتب للضمان الاجتماعي، وتجاوزت أكثر من عشرين مكتبًا في أرجاء الوطن، هذا فضلاً عن الاهتمام بالكوادر البشرية وابتعاث العشرات من الشباب للتعليم العالي في خارج المملكة.
- لقب بوزير الحنان والإحسان لحرصه -رحمه الله- إباّن توليه الحقيبة الوزارية - على إصدار أنظمة تحمي العاملين وبعد التقاعد. وتطوير نظام الضمان الاجتماعي وإحداث العديد من مؤسسات الرعاية والتنمية الاجتماعية. فكانت فترة (ذهبية) في مسيرة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للأب الروحي لهذه الوزارة الحيوية. أما على صعيد القطاع الرياضي والشبابي وأبرز تحدياته وتحولاته فقد لعب الوزير الراحل دوراً ريادياً في نقله من وزارة المعارف إباّن مسماه القديم (اللجنة الرياضية العليا) إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، واستحداث إدارة تعني بالرياضة بمسمى (إدارة رعاية الشباب)، وتحديدًا بعد صدور الأمر الملكي الكريم في 11-10-1381 بتعيينه وزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية، وتم التوسع في قطاع الرياضة والشباب حيث شهدت فترته الذهبية افتتاح عدد من الأندية الرياضية في عدد من المدن والقرى في مملكتنا الغالية تحمل ثلاثة مناشط (رياضي واجتماعي وثقافي)، وربما لا يعرف الكثيرون أن الوزير (أبا الخيل)، هو أول من تولى رئاسة اللجنة الأولمبية السعودية بعد تأسيسها وولادتها عام 1384هـ، إضافة إلى تأسيس بعض الاتحادات الرياضية وصياغة التنظيمات واللوائح للأندية والمسابقات الرياضية، هذا فضلاً عن قيام -وزير الزمن الجميل- بوضع حجر الأساس للملاعب والصالات الرياضية في مناطق المملكة الرئيسية الثلاث - الرياض - جدة - الدمام في النصف الثاني من عقد الثمانينيات الهجرية من القرن الفائت، كما كانت له جهود مضنية وبصمات خالدة في تأسيس المجلس الأعلى لرعاية الشباب وتحويل إدارة رعاية الشباب إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب كجهاز مستقل بذاته عام 1394هـ وأخيراً من أكبر إسهامات (الفقيد) طلب تعيين الأمير الراحل فيصل بن فهد -رحمه الله- مديراً عاماً لرعاية الشباب خلفاً للأمير خالد الفيصل الذي صدر قرار ملكي كريم يقضي بتعيينه أميراً لمنطقة أبها عام 1391هـ، وأمام هذه المعطيات البارزة والإسهامات الريادية (لأبي أيمن) كتبت عنه مقالاً هنا عبر الجزيرة بالعدد رقم (14337) في 5-2-1433هـ بعنوان: (الوزير أبا الخيل وحقبة البناء الرياضي الشبابي) تحدثت عنه كشخصية اجتماعية وثقافية ورياضية ودبلوماسية عرف عنها التواضع الجم ودماثة الخلق وعفة اللسان ونزاهة اليد وكرم الذات والحكمة التي منحته رصيداً كبيراً في بنك العلاقات الاجتماعية وقلوب الجميع، حتى بعد مغادرة منصبهوزير وترك كرسيه الوثير، فقد تشرفت باتصال منه -رحمه الله- تفاعلاً وتجاوباً مع (المقالة) التي كتبتها عن سيرته العطرة وإسهاماته الوطنية في مختلف المجالات، وزيراً وسفيراً وعضواً شورياً.. فغمرني بكلماته الأبوية وقيمه التواضعية، ومشاعره النبيلة، وإشادته بوفاء (الجزيرة) مع رجالات الوطن الذين خدموا مسيرته في مختلف المجالات، وطلب مني زيارته في مقر سكنه بجدة، وأتذكر طلبت منه إجراء حديث تاريخي عن أبرز محطات حياته العملية ورحب بي كثيراً.. ولكن لم يتم هذا اللقاء لظروف خارجة عن الإرادة.!!
رحم الله صاحب القلب الكبير (أبو أيمن) وزير الزمن الجميل الذي رحل تاركاً سيرة عطرة ومسيرة نيرة في ذاكرة الوطن.. تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.