د.بكري معتوق عساس
بعض العبارات والكلمات لديها قدرة عجيبة على أن تعود بك عشراتِ السنين إلى الوراء، وأن تجعلك تعيشُ من جديد زماناً حلواً عشته ذاتَ يوم.
من هذه العباراتِ رسالة وصلتني منذ أيامٍ من صديقٍ عزيز، تتحدث عن (ثقافة العيب) هذه الكلمة التي صنعتْ من جيلنا رجالاً تشرّبوا معاني الأصالة، ومعالم الذوق، وأصول التعامل.
أدعكم مع هذا النصّ اللطيف:
كلمة (عيب) كانت قائدة ورائدة، في زمن الآباء والأجداد.
حكمت العلاقات بالذوق، ووضعت حجراً لأساس لأصول التربية السليمة.
تحياتي لتلك الكلمة التي عرفناها من أفواه الأمهات والآباء، تقبلناها بحب، وتعلمنا أنها ما قيلت إلا لتعديل سلوكنا، فاعتبرناها مدرسة مختزلة في أحرف.
تحياتي لأكاديمية (عيب) التي أخرجت زوجات صابرات صنعن مجتمعات الذوق والاحترام.
وتَخرَّجَ منها رجال بمعنى الكلمة كانوا قادة في الشهامة والنشامة.
أبجديات (عيب) جامعة بحد ذاتها، وحروفها المجانية بألف دورة مدفوعة التكاليف.
بحروفك يا كلمة (عيب) قَدَّر الصغير الكبير، واحترم الجار جاره، وتداولنا صلة الأرحام بمحبة.
حروفك ياعزيزتي (عيب) نطق بها آباؤنا ليعلمونا تعاليم الدين، وإقامة أركان الإسلام، وتأدية الفرائض.
كان يقال للبنت «عيب» لا ترفعي صوتك، عيب لا تلبسي كذا، فتربت البنات على الحشمة والحجاب والآداب.
وتربى الشباب على غض البصر «عيب لا تنظر لنساء الحي»
وتربى الصغار على (عيب) لا تنقلوا سر الجار والدار
(عيب).
كانت منبراً وخطبة يرددها الأهالي بثقافتهم الدينية البسيطة. لم يكونوا خطباء ولا دعاة أو مفتين، وإنما هي كلمتهم لإحياء فضيلة وذم رذيلة.
كلمة (عيب)
ثرنا عليها ذات يوم عندما قلنا علمونا (العيب) قبل (الحرام).
وتمردنا عليها ظناً منا أنا سنعلم الجيل بطريقة أفضل.
فنشأ جيل جديد لم نفلح في تقويم سلوكه بكلمة (عيب)، ولا بشقيقتها الكبرى (حرام)!!
تحياتي من القلب لكلمة (عيب)، ولكل الأجداد والآباء والسلف المعطاء الذي استطاع أن يجد كلمة واحدة يبني بها أجيالاً تعرف الأدب والتقدير والاحترام.
في الوقت الذي أخفقت فيه محاولاتنا بكل أبجديات التربية المطورة.اهـ.
وأقول ختاماً: (عيب) أن نتجاهل كلمة (عيب) ونسقطها من قاموسنا!