د.علي بن محمد القحطاني
صححت جائحة كورونا الكثير من المفاهيم والعبارات التي ترسخت دواخلنا حتى أصبحت من المسلمات والحقائق التي لا تقبل المناقشة، بل إن هذا الفيروس سمى الأشياء بأسمائها في كثير من مجالات الحياة. وسأقتصر في هذا المقال على عبارتين فقط.
دول العالم الأول أو العالم المتقدِّم والعالم المتحضِّر
فالمتأمل في ردود أفعال الدول تجاه جائحة كورونا وجهودها في مواجهة آثارها يرى العجب العجاب، فقد هوت العديد من الأساطير والأوهام وقصور الرمال التي رسخت في أذهان الكثير بأننا أقل منهم بينما عرَّاهم فيروس لا يُرى بالعين المجردة وهدم تلك القصور وبعثر أساطيرهم التي عكفوا قروناً لترسيخها وأنفقوا المليارات عليها.
ولنأخذ المملكة العربية السعودية أنموذجًا ولنتجاوز مؤقتًا كل النجاحات التي حققتها والإجراءات التي طبّقتها لنصل للمحطة الحالية، فيوم الخميس 7-1-2021 بدأت المملكة إعطاء الجرعة الثانية من اللقاح بعد انقضاء ثلاثة أسابيع على تلقي أصحاب المرحلة الأولى من حملة التطعيم بلقاح فيروس كورونا المستجد، ضمن الخطة الوطنية التي تنفذها وزارة الصحة والتي بدأت، يوم الخميس 31-12-2020 الموافق 16-5-1442 والذي يعتبر كإعلان لبداية انفراج أزمة الجائحة -بإذن الله - بالمرحلة الأولى من حملة التطعيم والتي تستهدف من تجاوزوا سن الـ65 عامًا والعاملين في المهن الأكثر عرضةً للعدوى، وكان لظهور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية ومعالي الدكتور توفيق الربيعة وزير الصحة وهم يتلقون الجرعة الأولى من لقاح فيروس كورونا، بث رسائل اطمئنان عن سلامة اللقاح بين أفراد المجتمع المواطن منهم والمقيم مما دفع بالكثير من الرافضين للقاح أو المترددين في اتخاذ القرار لأخذ اللقاح مما أسفر عن تسجيل أكثر من 150 ألف شخص في اليوم الأول فقط لتلقي القاح.
وكعادتي في المحطات المهمة في مسيرة السعودية في التصدي لهذه الجائحة بعمل استطلاع للآراء حولها على قدر إمكانياتي كفرد وإن كنت طالبت في عدد من مقالاتي السابقة بعقد ورش عمل متخصصة لتقييم الإجراءات واستخلاص نقاط القوة والضعف وأن تتبنى الأمانة العامة للمخاطر الوطنية هذا الملف بالتنسيق مع الجامعات ومراكز الأبحاث للاستفادة منها مستقبلاً في جوائح مشابهة لا سمح الله، بل لتكون نواة لتعليم هذا التخصص في جامعاتنا.
فأخذت مجموعة من الآراء حيال تجربتهم في تلقي اللقاح بداية من التطبيق صحتي وحتى خروجهم بعد تلقي اللقاح فعلى الرغم من اختلاف الأشخاص والشخصيات في العينة فمنهم المستبشرون المتفائلون والمتبرمون المتذمرون وما بينهما وكذلك اختلاف الجنسيات من مواطنين ومقيمين فكانت الإشادة سيدة الموقف لحسن التنظيم والعناية وروعة الطواقم الإدارية والطبية. فالتنظيم فاق الخيال وتفوّق على الكثير من الفعاليات المشابهة حتى في تنظيم المعارض الدولية فيما كان يُسمى دول العالم الأول وسرعة الإنجاز وتوفر الطواقم الطبية المدربة في مجال عملها وفي كيفية استقبالهم لعملائهم والحفاوة بهم والحرص عليهم كما أثنى المقيمون وأبدوا إعجابهم وانبهارهم بما قدَّمه لهم من خدمات وإعجابهم بالشباب السعودي وما قاموا ويقومون به من تفان في أعمالهم وإتقان لمهامهم، وهذا ليس بمستغرب على الإنسان المسلم السعودي وما سخَّرته حكومتنا الرشيدة من إمكانيات كبيرة لإنجاز هذه المهام في وقت قياسي وزاد المقيمون بشكرهم للحكومة السعودية ومساواتهم بالمواطن من بداية التسجيل إلكترونياً عن طريق التطبيق حتى الانتهاء من أخذ اللقاح وأن الحكومة السعودية من حقها ولا أحد يوجه اللوم إليها لو اقتصرت على المواطنين فقط أو منحتهم الأولوية في أخذ اللقاح. وبمجرد تلقي الجرعة الثانية من اللقاح فهذا يؤهلك للحصول على جواز صحي بباركود دولي والذي سيكون المفتاح السحري للسفر الدولي والدخول لأغلب دول العالم، حيث يعتبر حامله محصناً حسب تعريف منظمة الصحة العالمية، وتعتبر المملكة من أوائل الدول التي فعّلته ولم يتبق إلا فترة وجيزة، بل وجيزة جدًا حتى يسمح بالسفر دوليًا حسب بروتوكولات معينة وفي مقدمتها جواز صحي، حيث حدَّدت المملكة السماح للسفر ابتداءً من 31-3-2021م.
وفي المشهد المقابل دول ما يُسمى العالم الأول وكيف تصطف الطوابير لمئات الأمتار في العراء وتنتظر الساعات الطوال لأخذ اللقاح في مشهد غير إنساني يذكِّرنا بالدول الفقيرة بعد الكوارث من تجمّع السكان لتسوّل الحصول على الغذاء أو الدواء وفي أدغال إفريقيا عند حدوث المجاعة.. وهذا المشهد سبق لنا ملاحظته في أمريكا والدول الأوربية عند شراء احتياجاتهم من المواد الغذائية إبان الإغلاق.
نعود لنشكر هذا الفيروس لأنه ساهم في اكتشاف أحد أكبر الكواكب في عالمنا هذا
إنه كوكب السعودية.