لا شك أن مظاهر التغير الاجتماعي الواسعة التي يمر بها المجتمع السعودي، وتحولاته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية السريعة التي يشهدها في واقعه المعاصر نتيجة التحديث والمستجدات التي طرأت على سطحه الاجتماعي، أدت -بالتالي- إلى ظهور أنماط جديدة من السلوك الاجتماعي والعادات والتقاليد والقيم المستوردة.. ومعروف أن أي تغير يطرأ على أيديولوجية المجتمع لا بد أن ينعكس على الظواهر والمؤسسات والنظم الاجتماعية.. بما فيها النظام الأسري، وعلى حياة الناس أنفسهم ونظرتهم إلى المجتمع.
والتغير الاجتماعي يعد من السمات التي لزمت الإنسانية منذ فجر نشأتها حتى عصرنا الحاضر، لدرجة أصبح التغير معها إحدى السنن المسلَّم بها. وهذه التغيرات الاجتماعية، والتحولات الثقافية السريعة التي يشهدها مجتمعنا السعودي في واقعه المعاصر.. ألقت بظلالها على النسيج الأسري ومكوناته، وعلى كثير من الاتجاهات السلوكية والقيمية والفكرية.. فبرزت على السطح الاجتماعي بعض الأمراض الاجتماعية، والمثالب الأسرية.
ولعل من الظواهر السلبية التي تمخضت من رحم هذه التحولات المجتمعية وإرهاصاتها داخل البناء الأسري قضايا العنف الأسري، والخرس العاطفي أو الطلاق الوجداني، أو الصمت الزواجي في الحياة الأسرية، الذي يعني في مفهومه: «حالة من انعدام الحب والتعاطف يعيش فيها الزوجان منفردَين عن بعضهما رغم وجودهما في منزل واحد، ويعيشان في انعزال عاطفي وانفصام وجداني تام»، أي لكل منهما عالمه الاغترابي الخاص البعيد عن الطرف الآخر. وربما يتطور الأمر ويتأزم؛ ليصبح (طلاقًا طبيعيًّا)، وانفصال رابطة الزواج، كما جاءت في إحصائية رسمية، تحمل أرقامًا مفزعة, ونِسَب عالية، تؤرق المجتمع، بل إن بعض حالات الطلاق تلامس نصف معدل الزواج في المجتمع..!!
وبحسب الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء فإن من بين كل (10) زيجات هناك (3) حالات طلاق؛ وهو ما يعني أن الفشل مصير ثلث حالات الزواج في المملكة. وهذه الإحصائيات ولغتها الرقمية تؤكد مدى خطورة ظاهرة الطلاق على بنائنا الاجتماعي لارتباطها بأكثر النظم الاجتماعية تأثيرًا في حياة الأفراد والمجتمع بشكل عام؛ ولذلك من الأهمية بمكان تطبيق فكرة (رخصة الزواج)، وإلزام الشباب والفتيات المقبلين على الزواج بأن يخضعوا إلى دورات تأهيلية متخصصة، لا تقل عن (شهر)، يكتسبون خلالها المهارات العالية في كيفية التعامل مع المشكلات الأسرية، وتنمية المهارات النفسية والسلوكية، وتعزيز قيم الوعي الاقتصادي، وإعداد الميزانية المنزلية، ونشر الثقافة الحقوقية.. وغيرها من البرامج التثقيفية والتنويرية التي تنظمها مراكز مؤسسية مؤهلة ومتخصصة ومدعومة بالكوادر المهنية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وتكون تحت إشراف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ولا يتم منحها التصريح الرسمي لمزاولة العمل إلا وفق شروط وضوابط محددة، يجب توافرها في الجهة المقدمة للدورات التأهيلية. وبما أن مجتمعنا السعودي هو إحدى الدول العربية التي تعاني من ارتفاع نسبة الطلاق فإنه أحوج من غيره إلى تطبيق هذه التجربة الناجحة التي طبّقتها معظم دول شرق آسيا، وبعض دول الخليج.. إذا كانت لا تتعارض مع الشرع والأنظمة المدنية. علمًا بأن القاعدة الشرعية تقول (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، أي إذا كان الحفاظ على الأسرة من الواجبات ومن الأساسيات في المجتمع الإسلامي فإن كل واجب بشرع الله يؤدي إلى ذلك فهو واجب. وهذا ما انطلق منه المشرعون عند إقرار الفحص قبل الزواج كشرط لعقد النكاح؛ لتكون هناك أسرة سليمة من الأمراض الوراثية. من هنا نرى أهمية تطبيق رخصة الزواج كشرط لعقد القران، وإتمام مراسم الزواج؛ فتتولى الجمعيات الخيرية ومراكز التنمية الاجتماعية المنتشرة بالمملكة مسؤولية عقد هذا النوع من الدورات، والإشراف عليها تحت مظلة مؤسسات تدريب ومدربين معتمدين وفق منهج تحدده الجهة الرسمية لمدة لا تقل عن (شهر)، ينهل منها المقبلون على الزواج ثقافة الزواج الدينية والاجتماعية والعاطفية، والحقوق والواجبات بين الزوجين، والمهارات الأسرية من منطلق شرعي.. ولذلك مع التزايد المطرد في المشكلات الزوجية والمنازعات الأسرية؛ وبالتالي تزايد معدات الطلاق في المجتمع، والطلاق ظاهرة واسعة الانتشار، ومتعددة الأسباب، ولها آثار خطيرة في حياة الأفراد والأسرة، وهي تشكل تكلفة اجتماعية مرتفعة المستوى المادي والنفسي والاجتماعي.. لذلك أصبح وجود المراكز المتخصصة في تأهيل المقبلين على الزواج ضرورة حتمية، تفرضها متغيرات العصر وتحدياته المستقبلية, خاصة مع وجود بعض المراكز المتخصصة في الإرشاد الأسري، وما تقدمه من خدمات (ضعيفة) وفق مستويات لا ترتقي بجودة العمل المهني المطلوب من حيث مستوى وتأهيل وكفاءة المرشد، وساعات العمل، ونوعية البرامج المقدمة التي تفتقر للمهنية والخلفية العلمية المطلوبة, فضلاً عن قلة الخبرة والممارسة المهنية في التخصصات الاجتماعية والنفسية، وعدم التوازن في فك رموز المشكلات الأسرية والمثالب النفسية.. لأن الهدف (ربحي) في المقام الأول..!!