د. عبدالرحمن الشلاش
وجّهتُ لنفسي دعوة، وتوجهتُ لمحافظة العلا بسيارتي الخاصة عبر طريق طويل مشوق ومثير؛ كوني أعبره لأول مرة في حياتي عبر القصيم وحائل إلى العلا. جميل أن توجِّه الدعوة لنفسك لاعتبارات كثيرة؛ إذ تتيح لك التجربة ثراءً فريدًا لا يوصف، وحرية في التنقل، واستقلالية تامة في المشاهدة وتكوين الانطباعات.
لا تحتاج في مثل هذه الزيارة على حسابك الشخصي إلا لسكن، وقليل من النقود، تصرف منها على احتياجاتك اليومية. أما زيارة المواقع الأثرية فلن تكلف الشخص الواحد أكثر من 200 ريال. تحجز عن طريق التطبيق، وتحضر إلى الموقع، وتُنقل بطريق الحافلة إلى المواقع، يرافقك مجموعة من المرشدين والمرشدات السياحيين السعوديين المدربين بشكل مميز لمثل هذه الأغراض، ويتعاملون مع الجميع بأساليب راقية، مع السياح كافة من داخل وخارج السعودية، ويستقبلونهم، ويقدمون لهم الضيافة السعودية من القهوة العربية والتمر، ثم الانتقال إلى المواقع، مع شرح فريد بالعربية والإنجليزية لتفاصيل مثيرة في مواقع الحجر «مدائن صالح «، ومملكة دادان، وحضارة معين، ونقوش الأنباط في جبل عكمة، وهي نقوش فريدة جدًّا؛ وتستحق المشاهدة والتصوير, هذا عدا ما أتاحت لي الزيارة من اطلاع على مدينة العلا الجميلة والرائعة بأهلها الطيبين؛ فالمحافظة ثرية جدًّا بكل مقومات السياحة والسفر حيث مزارع النخيل والحمضيات الشاسعة والممتدة على مساحات واسعة من أرض العلا، والجبال البركانية الشاهقة، التي من أكثرها تميزًا لدى السياح جبل الفيل وجبل الحوار وجبل عكمة، ومساحات كبيرة جدًّا من المناطق السهلية الرملية، مع أجواء شتوية دافئة نسبيًّا، تجعل الحركة سهلة وميسورة، وفيها شغف لقضاء أطول وقت للتجول في المناطق عامة، والأثرية خاصة، من خلال رحلات «عبر الزمن» بأسطولها الكبير والمدعم بطواقم عمل مدربة.
لعل من أبرز ما خرجت به من هذه الزيارة - كوني أحد المهتمين بالآثار منذ أيام رحلاتي للآثار الإغريقية في اليونان، والرومانية في إيطاليا، والفرعونية في مصر، والإسلامية في أكثر من بلد إسلامي، وحضارة الأنباط وتدمر واللحيانيين - أنني خرجت ببعض الاستنتاجات بأن الآثار الموجودة في منطقة الحجر «مدائن صالح» هي من حضارة الأنباط. وكما أشار الآثاريون، فإن اسم مدائن صالح يعود للعصر العباسي، وليس كما يعرف عند عامة الناس بأنها منسوبة للنبي الكريم صالح عليه السلام، وأن آثار ثمود قوم صالح لا تظهر مطلقا في منطقة المدائن، وربما تكون متناثرة في مناطق الخريبة وتيماء وغيرها. غير ذلك فإن قوم ثمود عاشوا - كما هو معلوم - قبل النبي إبراهيم - عليه السلام - في العصور القديمة الغابرة وأممها البائدة كبدو رحّل في مواقع عدة، أبرزها وادي القرى الذي عُذبوا فيه.
أيام جميلة لا تُنسى في العلا في سياحة ترفيهية وآثارية، تجعل من الواجب عليّ أن أشكر الدولة على هذا المجهود الكبير الذي سيكون مضاعفًا في الأيام القادمة.