العقيد م. محمد بن فراج الشهري
لم يعد هنالك مجال لتبجح الغرب بالديمقراطية، فقد اتضح بما لايدع مجالاً للشكوك أن ديمقراطية الغرب بأكمله ما هي إلا هوائيات إعلامية، وبهرجات بروتوكولية، لم يعد في الإمكان تصديقها وأكبر دليل على ذلك ما ِشهدناه في الآونة الأخيرة في كافة دول الغرب من تصدعات، واحتجاجات، وقمع وتدن في مستوى حقوق الإنسان.. وقد كشفت جائحة كورونا كوفيد 19 أمورا كانت خافية من إهمال واضح لمستويات حقوق الإنسان في كافة دول الغرب، وتجاهل أهمية الأخذ بالمبادرة في الوقاية من هذه الجائحة، وعدم الاكتراث بملايين الأشخاص الذين كانوا ضحايا هذا الفايروس فقط.. أما على مستوى الديمقراطية العليا قد تجلت في أكبر تدهور لها في أكبر دولة في العالم إذا ما تحدثنا عما جرى ويجري في الولايات المتحدة من إهانة للديمقراطية وتشتيت شملها سواء على مستوى الجائحة أو على مستوى الانتخابات الرئاسية، أوحتى على مستوى الولايات بشكل عام، وما جرى على مستوى الانتخابات الرئاسية الأمريكية هزيمة شنعاء للديمقراطية بكافة تفاصليها واستشهد في ذلك بما ذكره البروفسور الكندي «ويد ديفس Wade Davis « في مجلة «The Orllingston» في مقال له بعنوان (تفكك أمريكا) «The unraveling America» وقد تم تداول هذا المقال في 16 مليون موقع الكتروني، وتسبب المقال في إثارة موجات من النقاشات والعصف الذهني بين الأكاديميين والسياسيين، والمفكرين، والمواطنين العاديين في أمريكا، وذلك بسبب أهمية المقال، وبسبب الرؤى الصادمة التي طرحها ديفيس حول مستقبل أمريكا. بدأ ديفيس مقاله بالتذكير بواحدة من المسلمات أو الحتميات التاريخية، وهي أنه» لا إمبراطورية تدوم إلى الأبد». ويضرب ديفيس عدة أمثلة من التاريخ « فالقرن الخامس عشر كان برتغاليا، والسادس عشر كان اسبانيا، والسابع عشر ألمانيا، والثامن عشر فرنسيا، والتاسع عشر بريطانيا بامتياز، وقد وصل توسع الإمبراطورية البريطانية إلى أقصى حدوده في العام 1935 «. بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت أميركا كقوة اقتصادية، وعسكرية وسياسية، وعلمية، وتكنولوجية طاغية ومهيمنة، أطاحت بالإمبراطورية البريطانية واحتلت مكانها.
ديفيس، واستناداً إلى معطيات سياسية، واقتصادية، وعسكرية يعتقد بأن أمريكا بدأت في الوهن والتراجع منذ ثلاثة عقود، وأن جائحة كورونا أعلنت بداية الانهيار الفعلي، لأنها كشفت جوانب الضعف المتعددة، التي تراكمت خلال عقود في بنية الإمبراطورية الأمريكية، والتي تجلت بوضوح سافر في طريقة التعاطي الكارثية للحكومة الأمريكية مع الأزمة، ومضاعفاتها الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية. يقول ديفيس « أن موت ألفي مواطن امريكي في يوم واحد بسبب كورونا يعطي انطباعا بأن أمريكا أصبحت دولة فاشلة».
والأمركما يرى ديفيس، لا يتعلق بالطريقة التي تعامل بها ترامب مع الأزمة، فترامب ليس سبب أزمة أمريكا الحالية، بل هو عرض أو علامة من علامات مرضها المزمن. ويقول ديفيس بأنه حتى ندرك فداحة « الفشل الأمريكي»في إدارة الأزمة فعلينا أن نقارن بين الطريقة التي أدارت بها الديمقراطيات الحقيقية الأزمة، في دول صغيرة مثل: نيوزيلاند والدنمارك، وكندا، والطريقة التي تعاطت بها « الديمقراطية الأمريكية» العظمى. ويعزو ديفيس السبب في ارتفاع أعداد الوفيات بكورونا في أمريكا إلى فشل النظام الصحي المصمم في الأصل لرعاية النخبة الثرية، وإلى عدم وجود شبكة أمان اجتماعي للضعفاء، وكبار السن، والمعاقين، وإلى عدم وجود مساواة حقيقية بين المواطنين في إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية عند الضرورة، بالإضافة إلى العديد من نقاط الضعف، هذا جزء مما ورد في المقال للكاتب المذكور وهو بذلك قد شهد شاهد من أهلها وتحدث بصراحة وبوضوح عن أمور ملموسة ومشاهدة ومقروءة في الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة الامريكية، وكذلك الحال في دول أخرى في أوروبا ومنها بريطانيات وكندا، وإيطاليا، وفرنسا، وغيرها.. وهذا ما يؤكد فشل ديمقراطية الغرب التي أشغل العالم بها لسنوات وكأنه لايوجد في العالم أفضل من الغرب فيما يطبقه وينتهجه من سياسات واستراتيجيات.. لقد أثبتت الأيام والسنون وجائحة كورونا عكس ذلك تماما.. ولايمكن من الآن فصاعدا أن نصدق هذه الديمقراطية الزائفة وعلينا أن نستقبل بإراداتنا، وسياساتنا، ونهجنا بعيدا عن دول الغرب وعن قوانينها الوضعية لنحقق العدل والأمن والصحة والسلام.