الوفاء شيمة العظماء، وهو خلق نبيلٌ نبل السَّماء، ويمِّم حيث شئتَ، وأقصد أي صُقْعٍ أردتَ، فلن ترى مثل الوفاء على معدِن الرجل دليلاً، وفي الناس بقايا وحقائق مدهشات كالمرايا، والأعلام النبلاء والسادة الأوفياء في كل زمان ومكان، وعصر ومصر، وبقعة وفترة، وجلَّ الله الذي نشر الأوفياءَ في بسيطته، وبثَّ النبلاءَ في معمور أرضه، وفضل الله لا يحده حد، ولا يستوعبه زمان ولا أرض، ولكن لله على كل خلقه فضل، وهو يخص من يشاء بمزيد فضل.
وقد أقمت في المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين -حرسها الله الرب- مدة طيبة، واجهتُ فيها أقوامًا يتنفسون الوفاء كما يتنفس سائر الخلق الهواء، ولوددت أني ذكرتهم فرداً فرداً واسماً اسماً، ولكن حسبهم علمُ ربهم وذكره لهم، ولا غرابة فهو أهل الوفاء والحق. وقد كنت كتبت كلماتٍ لعلها إلى النظم أقرب، وكانت -بقدر الله وتوفيقه- أوَّل ما كتبتها في شخص بعينه، وهو بها حرِي خليق وقمِن جدير، إلا أني جنحت إلى التعميم، ولا إخال صاحبي يمانع، إذ كيف يمانع وهو الوفي النبيل؟! قلتُ:
إِنَّـمـَا السُّعُودِيُّ نَبِيلٌ مِنْ كِرامِ
وِجْهَةُ النُّبْلِ والعِرْفانِ يَلتقيانِ
يا صاحبًا للوفا وأخوه ليْـلَ نهارِ
ما لي فُتِنْتُ بأَفْعُلٍ نَدَرَتْ بكل زمانِ
ولا تقل: حصرتَ النبل في السعوديِّ - وأنعم وأكرم بالمملكة وأهلها ويكفيهم أنهم خدّام الحرمين الشريفين قادة وشعباً - بإنما؛ لأن النبل في كل أرض وتحت السما، ولكنّ قومًا وفوا هناك وكانوا من النبل بالمواضع العُلا، وأنعم وأكرم بالنبيل في كل أرض وتحت كل سما.
** **
كريم بن إبراهيم بن أحمد - عضو الاتحاد الدولي للغة العربية