عبده الأسمري
منذ أن خلق الله الكون والحياة تسير وفق التطور والتقدم من زمن إلى آخر.. ويبقى الإنسان «العامل» الأول لصناعة التطوير وصياغة التغيير باتجاه المستجد والمتجدد وصولاً إلى قطبية من النفع أو الضرر..
هنالك من صنع القنبلة النووية من منابع العلوم والبحوث، وكانت النتائج أذى بالغًا في محيط البشر، وهنالك من ابتكر العمليات الجراحية من مكامن المعارف والأبحاث، وكانت الفوائد عافية تنعم بها الأجساد من عوارض الأمراض. كلا الاتجاهين أنتجه علماء، ولكن في بُعدين متناقضَين من الخير والشر.
في زمن مضى كانت النصائح والتوجيهات والمناصحة تعتمد على أشرطة الكاسيت والمحاضرات المباشرة التي تأخذ ساعات من الترهيب في وقت كان الواقع حينها أقل ميولاً نحو الأخطاء، والآن باتت محاضرات اليوتيوب والنصائح المكتوبة والصور الإرشادية تلخص النصح في دقائق معدودات، والاتجاه إلى السوء أكثر.
في وقت سابق كانت المدارس أشبه بالأكاديميات، والحصول على شهادة أشبه بنيل وسام أو حصد بطولة. وكان الطلاب وقتها حائرين بين فصول الجامعات، متأرجحين بين «مواد محمولة» و»فصول معادة»، وحينها كانت الشهادة الجامعية نادرة، والخريج مؤهلاً، والخروج من بوابة الجامعة «إنجازًا» فريدًا في ظل إمكانيات محدودة للجامعات، ومهارات متعددة للخريجين.. والآن باتت الدراسة ميسرة، والخريجون يتزاحمون على منصات التوظيف، ولكن المخرجات «باهتة»، سواء في المعرفة أو المهارة أو الفكر..
دائمًا ما تكون فطرة الإنسان في درب «النجاة» وفي مسلك «الحذر» وفي اتجاه «المنطق».. فالطفولة تقتضي العيش في ظلال الأسرة، والشباب يحتم المكوث في كنف العائلة، ولكن الأمر تغير مع تعاقب الأزمنة وتبدل الأمكنة وجمود البصائر وتغير المصائر.. إذ باتت المحيطات «الآمنة» مواقع طاردة بفعل التأثير الفضائي أو التأثُّر الاجتماعي، حتى رأينا وجود حالات الهروب، وتزايد معدلات التهريب في تقمص «بائس» للتغير المؤدلج، والسير في ركب «موجة» أضلت طريقها في بحر «السواء»..
الطفرة بكل أنواعها على مستويات الأسرة والمجتمع والاقتصاد والتعليم والترفيه تقتضي «الفهم» لمواكبتها ومواءمتها من حيث استقبال التغييرات، وإرسال الاستجابات، من خلال السلوك الإنساني، ولكن القضية ظلت «شائكة» في ظل سقوط الكثير في حبائل «العجلة»، ووقوع العديد وسط مصائد «الغفلة» بسبب سوء «التقدير» للتعامل مع التغيير، والسير بفوضوية في التعايش مع التغير السائد في منظومة العيش ونظام الحياة؛ الأمر الذي أوجد ظواهر مؤرقة وقضايا مؤلمة نتيجة عدم تكيف البشر مع الجديد في عوالم التحضر؛ وهو ما شوّه الذوق السلوكي في أبعاد النتائج.
لدينا خلل أزلي في التعامل مع التغيرات، تشوبه تداعيات بائسة من الانفلات والمبالغة وإساءة الفهم وسوء التقدير وسوءة الذات.. فلا تفكير يسبق التغير، ولا تدبير يخلف التغيير؛ فالكل يركض باتجاه «التمدد التقني» بلا رقابة ذاتية، ودون حكمة شخصية؛ فتأتي النتائج في دائرة من «السخرية»، قد يتحول الإنسان خلالها إلى نموذج «سخيف»، وشخص «سفيه»، لا يراعي «المنطق»، ولا يستدعي «التحكم»، وإنما يظل ملاحقًا الموجات أينما اتجهت بها «رياح التبدل».
في خضم التبدلات والتحولات في ميادين «الطفرة» هنالك ثمن مدفوع؛ فالتبذير والإسراف مفهوم متمدد ومتشعب، لا يتعلق بالأكل والشرب والمال فقط، وإنما تندرج تحته العديد من التفاصيل؛ لذا فإن الارتداد إلى «الفطرة» مسألة حتمية، وهنالك من ينازعها؛ فيتجاوز الأسوار؛ فيكون «ضحية» قراراته «الشخصية» اللامسؤولة في ظل عصيان «نفسي» على ثبات النفس وإثبات السوية.
الطفرة نعمة يجب أن نفهم تفاصيلها ومعانيها، ولنعلم أنها «اختبار» لقدراتنا النفسية في التعامل، وطاقاتنا الذاتية في التعايش، وأن الأمر مرهون بالسلوكيات والمسالك، فإذا أجدنا توظيف أمنياتنا على دروب التطور فإننا بارعون في مسايرة «التقدم»، مبدعون في مجاراة «التحضر». أما إذا ظللنا نسير في ساحات من «الجهل» و«البحث عن الوجود» دون مقومات حقيقية فإن النتائج ستكون أليمة، وسيكون «الندم» نتيجة واقعة لكل من رجح كفة الذات على الإثبات. أما المقيمون في متون «العيش» السليم فإنهم في سلام مع أنفسهم، ووئام مع الآخرين.
بين الفطرة والطفرة ميزان قويم من المعطيات والتعاملات وصولاً إلى الاتزان في الاستجابة، والتوازن في النتيجة..