د.معراج أحمد معراج الندوي
إن شمس الإسلام قد طلع نورها، وسطعت أضواؤها على أفق سماء الهند في عهد مبكر من ظهور الإسلام. دخل العرب الهند فاتحين كفاتح السند محمد بن قاسم الثقفي. وحينًا لآخر دخل المسلمون هذه البلاد واسعة الأرجاء، مترامية الأطراف، حاملين رسالة الإسلام الخالدة الشاملة الباقية كبقية السماوات والأرض.
وكانت الهند قبل دخول الإسلام والمسلمين بلادًا منقطعة ومتقطعة سياسيًّا واجتماعيًّا عن العالم الخارجي كله، يعيش أهلها في عزلة وخلوة، ليست لها علاقة بالمجتمعات الإنسانية الأخرى، وانقسم الناس في نظام الطبقات؛ فلم يُعرف في تاريخ أمة من الأمم نظام طبقي أشد قسوة، وأعظم فصلاً بين طبقة وطبقة، وأشد امتهانًا بشرف الإنسان من النظام الديني قبل دخول الإسلام الهند.
عطف المسلمون العرب على الشعب الهندي الذي كان يتأرجح بين التفرقة والظلم والغشم والعدوان، وقربوهم بحسن خُلقهم ورأفتهم وكرمهم وسخائهم؛ فأثرت عقيدة التوحيد في الديانة الهندوسية تأثيرًا عميقًا في العقيدة والفكر. وكان المجتمع الهندي كبحر يأكل السمك الكبير فيه السمك الصغير، حتى دخل المسلمون؛ فتغير مجرى التاريخ، وانقلب تيار المجتمع الهندي؛ فكان دخول المسلمين في هذه البلاد نقطة انطلاق من التخلف إلى التقدم، ومن الجمود إلى الحركة، ومن الجور إلى العدل والمساواة، ومن العبودية إلى الحرية الكاملة..
إن دخول الإسلام له أهمية كبيرة في تاريخ الهند. إنه قد فضح الفساد الذي كان قد انتشر في المجتمع الهندي، وقد أظهر انقسام الطبقات، والنظام المنبوذ، وحب الاعتزال عن العالم الذي كانت تعيش فيه الهند.
وإن نظرية الأُخوَّة الإسلامية والمساواة التي كان المسلمون يؤمنون بها، ويعيشون فيها، ويكافحون لأجلها.. أثرت في أذهان الهنود تأثيرًا عميقًا. وكان أكثر الناس خضوعًا لهذا التأثير هم البؤساء الذين حرَّم عليهم المجتمع الهندي المساواة والتمتع بالحقوق الإنسانية.
لقد اهتم مسلمو الهند منذ البداية باللغة العربية اهتمامهم بالإسلام والتعليم الديني؛ لأنهم وجدوا أن فهم الشريعة الإسلامية لا بد له من تعلُّم اللغة العربية؛ فقاموا بإنشاء المدارس والكتاتيب والمعاهد الدينية التي كان فيها الأساتذة والعلماء يركزون على اللغة العربية بنظرة الدين، وبها بدؤوا يفهمون لغة القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه وأصوله، حتى تمكنوا من تأليف الكُتب في الموضوعات الإسلامية المختلفة.
وفي العصر الحاضر توسع نطاق اللغة العربية وآدابها في ربوع الهند. أما بالنسبة للجامعات العصرية فقد فتحت أبوابها للغات الأجنبية، ومنها اللغة العربية، وركزت على تدريس اللغة العربية كلغة وأدب وسياسة واقتصاد ودبلوماسية، وتعزيز العلاقات مع الدول العربية، وتوطيد الصلات الثقافية.
بدأت الجامعات الهندية تهتم بتدريس اللغة العربية، بما فيها الجامعة الملية الإسلامية، وجامعة علي كراه الإسلامية، والجامعة العثمانية، وجامعة جواهر لال نهرو، وجامعة دلهي.. وما إلى ذلك من جامعات أخرى؛ فلعبت كلٌّ من هذه الجامعات - ولا تزال تلعب - دورًا ملموسًا في تطوير اللغة العربية وآدابها في الهند.
نهض من هذه الجامعات الهندية على مرِّ العصور أدباء وشعراء، عُرفوا بفصاحة اللسان العربي المبين.. وخرج منها صفوة من العلماء، ولفيف من رجال الفكر والقلم الذين لعبوا دورًا رائعًا في مجال الشعر والأدب، وتركوا آثارًا خالدة. لقد أسهم أساتذتها مساهمة فاعلة في كتابة المقالات والبحوث في مواضيع حديثة مبتكرة في مجلات عربية صادرة من داخل الهند وخارجها.
إنَّ الجامعات الهندية لعبت - ولا تزال تلعب - دورًا رياديًّا في النهوض باللغة الغربية في الهند وخارجها من خلال التدريس والتأليف في مجالات القواميس والمعاجم والتراجم والبحث والتحقيق والمخطوطات وتاريخ الأدب العربي وتنمية الدراسات الثقافية وتعميم الدراسة العربية بين أبناء الوطن.. ولها حظ وافر في صيانة ونشر الثقافة العربية في كل ناحية من أنحاء الهند.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية، كولكاتا - الهند