أ.د.عثمان بن صالح العامر
من الكلمات المتوارثة في قاموسنا المحلي جملة (الشيوخ أبخص) التي كثيراً ما سمعناها تتردد في ثنايا كلام الأجداد والآباء وفي كل مناسبة وعند كل حدث، والمقصود (بالشيوخ)، (حكامنا، أولي الأمر، والقادة) لوطننا العزيز على قلوبنا كما هو عزيز في قلوبهم (آل سعود)، أما (أبخص) فتعني أعرف وأدرى. وهذه الجملة الموجزة ذات الدلالة العميقة والمعبرة لها أصلها ومرجعيتها في مثل قول الله عز وجل: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
لقد أثبتت التجارب، وبينت الأحداث، وأظهرت المقارنات، وخلصت الدراسات الميدانية المنصفة والمحايدة صدق هذه المقولة، ودقة دلالاتها، وعمق مغزاها، ولعل (اتفاق العلا) الذي أبرم في غضون الأيام القليلة الماضية خلال انعقاد القمة الخليجية 41 بين الدول الأربع ودولة قطر بعد ثلاث سنوات ونصف من المقاطعة والمفاصلة يبرهن ويدلل على ما استقر في يقيننا الذاتي من أن (الشيوخ أبخص) في التعامل مع الأشخاص والأحزاب والجماعات والدول، ولذا فلا يقبل بعد هذا الحدث التاريخي المفصلي الهام قول قائل ولا يسمح باجتهاد مجتهد أياً كان، والواجب يملي علينا الفخر والافتخار بوجودنا في ظل دولة ذات سياسة حازمة عازمة، تدير أمورنا صغيرها وكبيرها داخليها وخارجيها بحكمة وحنكة وذكاء هو محل إشادة وإعجاب عالمي سواء على مستوى القادة والرؤساء أو الهيئات الحقوقية أو المجالس والمنظمات والأحزاب السياسية الدولية، وحزماً سيكون لهذه الاتفاقية التي أدارها سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين باحترافية عالية ومهارة فردية على ضوء وفي ظل توجيهات مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أقول من المقطوع به أن لهذه الاتفاقية التاريخية آثارها الإيجابية الآنية والمستقبلية على منطقة الخليج خاصة وعالمنا العربي على وجه العموم.
إن ما ننعم به من أمن وأمان لم يكن له أن يتحقق على أرض الواقع رغم كل التحديات وكثرة التهديدات لولا فضل الله ومنه أولاً وقبل كل شيء ثم هذه المقولة المسلمة المبنية على قناعة تامة أن للسياسة وجوهها وتقلباتها وأسرارها وتحولاتها التي لا يعلم معالمها ولا يدرك منعطفاتها إلا (الشيوخ)، ولك أن تقرأ حال كثير من الدول التي آمنت بأن الشعب أبخص لتعرف كيف هي الحال وإلى أين كان المآل.
ثم إن من الواجب علينا أن نورث هذه القاعدة الذهبية للأبناء والأحفاد كما ورثناها نحن من الأجداد والآباء فهي صمام الأمان بعد الله والتمسك بكتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والعاصم إن شاء الله من الانزلاق في الاختلافات المجتمعية ومن ثم المراشقات اللسانية والصراعات الداخلية وربما وصل الحال إلى ما هو أدهى وأمر لا سمح الله.
وإلى لقاء والسلام.