د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
تطورت العلاقات السعودية الآسيوية تطوراً واضحاً وملموساً خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أنها شهدَت تطورًا كبيرًا ومتناميًا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي قام بزيارات «آسيوية» عدة خلال توليه وزارة الدفاع، وولاية العهد، وحرَص سلمه الله على أن يقوم في عام 2017 بجولة واسعة لعدد من دول آسيا، في «إشارة» واضحة إلى أهمية آسيا في إستراتيجيات السياسة الخارجية السعودية.
ولم تكن صدفةً أن يظهرَ مصطلح «الاتجاه شرقاً»، ويتّسع الاهتمامُ به، مع الجولات الآسيوية للملك سلمان وحتى من قبل تولّيه مقاليد الحكم في البلاد، ومع زياراته المتكررة لدول الشرق وجنوب شرق القارة، منذ كان أميراً للرياض، ثم وزيراً للدفاع وولياً للعهد، إذ إنه تبنّى هذا التوجّه ودعا إليه، تعميقاً لهذه العلاقة وتطويراً لها، وتحقيقاً لأكبر قدر من أهدافها، في إطار أوسع من نظرة شاملة للمتغيّرات الدولية، وطبيعة القوى الصاعدة في النظام الدولي، وتأثيراتها في الساحة الدولية.
لقد ظهر الاهتمام السّامي بـ»الشرق» لدى الملك سلمان بن عبدالعزيز بوضوح منذ وقت بعيد، في إطار نظرة شاملة لأهمية إقامة علاقات متوازنة في العلاقات الدولية للمملكة، علاقات تراعي المتغيّرات الدولية، والقوى الصاعدة والناشئة في العالم، مع تعزيز علاقات المملكة بحلفائها الاستراتيجيين، وعلاقاتها التاريخية والتقليدية.
وفي تعبير عن هذه الرؤية، جاءت الجولة الآسيوية امتداداً للاهتمام السعودي بدول الشرق والرغبة الأكيدة في بناء علاقات متينة مع دول الشرق الآسيوي، وتعزيز التبادل التجاري معها، وفتح مجالات جديدة وفرص أوسع للاستثمار، بما يخدم المصالح المشتركة بين السعودية وتلك البلدان.
المحطة الأولى كانت في باكستان، والعلاقات السعودية - الباكستانية عميقة في التاريخ، منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، وبدأت حتى قبل استقلال باكستان، وقبل إنشاء منظمة الأمم المتحدة، وتواصلت وتنامت. وباكستان الدولة والحكومة والجيش والشعب، يمتلكون قدراً كبيراً من العلاقات الاستراتيجية والمصالح المشتركة والود والتقدير للسعودية، ويعرفون حجم المكانة الدينية التي تمتلكها، وحجم التأثير السياسي الذي يمكن للسعودية أن تقوم به في العالم الإسلامي. وقد أوجب دور السعودية في العالم الإسلامي عليها، الوقوف مع باكستان في كثير من المراحل الحرجة في تاريخها، فقدمت لها الكثير من الدعم السياسي والاقتصادي والمادي والخيري.
ويظهر اهتمام الملك سلمان بتطوير العلاقات السعودية الآسيوية جليّا واضحاً في لقاءاته برؤساء الدول الآسيوية، وحرصه المستمر على تأكيد اهتمامه بتفعيل هذه العلاقات في كافة مجالاتها وجوانبها، وبما يفتح للشعوب آفاقاً أوسع للتعاون في تطوير سبُل التقدم وبناء المستقبل للأجيال المقبلة، وعلى نحو تعكسُه كافة الاتفاقيات والبروتوكولات التي وقعها خادم الحرمين الشريفين وممثلو الحكومة السعودية مع رؤساء هذه الدول في كافة المجالات.
وقد أسست الجولة الآسيوية الأخيرة التي قام بها الملك سلمان لعدد من الدول في شرق آسيا، أسّسَت لعهد جديد من العلاقات السعودية الدولية، الأمر الذي يراه الكاتب ويشاركه فيه الكثيرون من الخبراء والمتخصصين في الشؤون الآسيوية، إنه متغيّر مهم في علاقات المملكة بالدوائر الرئيسة والاستراتيجية لسياساتها الخارجية الآسيوية، حيث انعكس إيجاباً على اقتصاد المملكة، إضافة إلى تعزيز المكاسب التي حققتها السياسات السعودية في مدار العلاقات الدولية وفي مجال الاقتصاد والتنمية.
ويرى بعضُ المحللين السياسيين أن الجولة قد فتحت الآفاق «الشرقية» من العالم، وعززت مكانة المملكة في علاقاتها مع دول الشرق الآسيوي. ويشير هؤلاء المحللين إلى أن زيارة الملك سلمان لدولة مثل إندونيسيا، استهدفت تعزيز التعاون وتنويع الشراكات الإستراتيجية بين البلدين، في ضوء أن إندونيسيا، من أكبر الدول الإسلامية، وأنه ينبغي أن تحرصَ المملكة على تعميق علاقاتها بها، وأن تتعزّز علاقاتها معها.
كذلك، يمكن أن نشير إلى ماليزيا، التي أصبحت نموذجاً في التنمية والتطور، ورائدة في كثير من الصناعات التي تأتي في مقدمتها صناعة السياحة، إضافة إلى اليابان والصين، اللتين تجمعهما بالمملكة علاقات إستراتيجية وتاريخية. ولا شك في أن زيارة ماليزيا استهدفت فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي القائم بين البلدين، وشهدت توقيع عدد من مذكرات التفاهم، معظمها يتعلق بالتعاون في مجالات التجارة والاستثمار، والصناعة والعمل والموارد البشرية.
وبشكل عام، فإنه يمكنُ القولُ بأن الجولة السامية لآسيا في 2017، أكّدَت الدورَ المحوري المؤثر للمملكة في علاقاتها الدولية، والأهمية الاقتصادية والسياسية التي تتمتع بها الدول التي شملتها الزيارة، انطلاقاً نحو تحقيق «رؤية 2030» لزيادة حركة التجارة والاستثمار الأجنبي في السوق السعودية.
ومما لا شك فيه، أن التعاون مع دول حققت نجاحات صناعية كبرى ملموسة وواضحة وحولت ثقافة شعوبها من الاعتماد على الغير إلى الاعتماد على الذّات، ومن الاستيراد إلى الإنتاج تحقيقاً للاكتفاء الذّاتي عن طريق الإنتاج الفعلي، وتطوير قدرات مؤسساتها لتنافس أقوى اقتصاديات العالم المتقدم، هو مما يدفع إلى استلهام روح تلك التجارب، واستيعاب جوهرها، والتعرف على آلياتها، وفهم الخبرات التي تحققت بها، ونقل تلك الثقافة الإنتاجية التي تعتمد على الفكر والجهد والإخلاص في العمل، وتكوين شراكات إستراتيجية متكاملة يستفيد منها الأطراف كافة.
من ناحية أخرى، يمكن القول إن هناك اهتماماً «آسيوياً» كبيراً بتعزيز علاقات الدول الآسيوية بالمملكة، ويعكس ذلك الاهتمام، ما يصدر عن وسائل الإعلام الآسيوية من إشارات ورسائل، حيث تعطي وسائل الإعلام مساحة كبيرة للحديث عن العلاقات السعودية الآسيوية.