إن من مفاخر تاريخ المملكة العربية السعودية العلمية الكبيرة مؤلفات وتحقيقات وإفادات العالم المؤرخ الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ -رحمه الله- الملقب بالبحر كجده الثالث والمشهور بصاحب كتاب مشاهير علماء نجد وغيرهم تحقيق كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد للمؤرخ عثمان بن بشر -رحمه الله-، وعالمنا ليس نكرة أو مجهولاً فقد ترجم له جمع من أهل العلم الكبار بل هو حرر لنفسه سيرة ذاتية مطبوعة ضمن بعض مؤلفاته وكفى بتأليفاته وتحقيقاته التاريخية شاهداً على جلال علمه المتين والرصين، ولتقادم وتقدم الزمن أصبحت آثاره الأصيلة العلمية المهمة في عداد النوادر المفقودة والتي يغالى في ثمنها، بل وصل الأمر لتجاهلها والسطو عليها والعبث بها والحذف منها وغيابها من مضان ذكر المراجع المفصلية في موضوعها. ولما رأيت تلك الأسباب ماثلة في واقع بعض المؤلفات والتحقيقات العصرية، إضافة إلى أنه لم يعقب ذرية رجوت أن أكون أحد أعقابه في العلم بتحرير هذه الأسطر وفق المحورين التالية:
المحور الأول: أصالة مؤلفاته وأهمية تعليقاته.
فقد أثنى على مؤلفاته البالغ عددها (5) وتحقيقاته (6) إضافة لمقالاته، جمع من كبار العلماء ومحققيه كالعالم حمد الجاسر وعبد الله البسام وعبد الله بن خميس، وما ذاك إلا لما اتسمت به على اقتضابها بأن كانت أماتٍ كبار في بابها التاريخي، جمع فيها بين التأليف والتحقيق والتعليق، كما هي طريقة كبار العلماء، فهي محررة دقيقة جزلة العبارة، بذل فيها جهداً بيناً واضحاً وبأسلوب مميز، وأما تعليقاته المسددة فهو ينقل ويستشهد بالنصوص المتنوعة ويعرِّف ويصحح ويقيِّم ويستدرك ويذكر ويبين الفرق والمعاني والمصطلحات وينقد بإنصاف، ويحيل بدقة ويذكر رأيه باستقلال وبرهان، ويلتمس العذر لمن أخطأ بأسلوب لبق رقيق، وجملة تلك الأمور تتبلور في ذكر الأعلام والنسب والقبائل والأماكن وما دار في فلكها، فتعليقاته بحد ذاتها مؤلفات ومنجم لكل باحث ودارس، ولذا لا غرو أن يجد مؤرخنا من الملك فيصل -رحمه الله- تشجيعاً وأن تتبنى القامات العلمية والثقافية أعماله الجليلة فتوعز إليه التأليف والتحقيق فتطبعها، ومما حقق وعلق عليه من الكتب التالية:
1- كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر. وبذيله كتاب عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر والرابع عشر للمؤرخ إبراهيم بن عيسى -رحمه الله- طبعتهما وزارة المعارف بمقدمة ضافية لوزيرها معالي الشيح حسن آل الشيخ (1352هـ - 1407هـ) ثم أعادت دارة الملك عبد العزيز طبع الكتابين مستقلين.
2- التعليق على الرحلة الملكية ليوسف ياسين. طبعته وزارة المعارف بمقدمة لوزيرها. ثم أعادت دارة الملك عبد العزيز طبع الكتاب بعنوان الرحلات الملكية.
3- كتاب لمع الشهاب في سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. لحسن الريكي. طبعته دارة الملك عبد العزيز بمقدمة لوزير المعارف.
4- وأما كتابه مشاهير علماء نجد وغيرهم. فقد طبعه المؤلف على نفقته لدى الشيخ حمد الجاسر بدار اليمامة بمقدمة لوزير المعارف.
المحور الثاني: مصادره وموارده العلمية.
كثيرة جداً ومتنوعة ما بين مخطوط ومطبوع ومحدودة الاطلاع، وقد صرح بعدد مصادره في تحقيق كتاب عنوان المجد أنها تصل إلى أكثر من (60) مصدراً، زيادة وإضافة لجملة من الصحف والمقابلات الشخصية والروايات الشفهية، وقد بدت جلية في هوامش تعليقاته، وكيف كان يحكي بعض معاناته في الجد والاجتهاد، ونظراً لتميزه العلمي وسعة اطلاعه وتجدده ورحلاته وتجاربه فقد كان يلقب بالبحر وبأوصاف علمية أخرى تذكر بجانب مؤلفاته وسيرته، وذلك لأسباب كثيرة منها: كثرة مشايخه وتنوعهم ما بين نجديين وحجازيين ووافدين، أيضاً نبوغه المبكر وروايته الشفهية عن والده وجده وغيرهما، أيضاً امتلاكه لعلوم فنون الآلة والقريحة الشعرية، أيضًا استفادته من توجيه ونقد الآخرين المحررة كالشيخ حمد الجاسر والشيخ عبد الله بن خميس، أيضاً تأثره القوي بجلسائه ذوي الفكر والثقافة ممن لهم حضور وأثر بالغ في التاريخ وهم كثير جداً منهم: الشيخ صالح العثيمين صاحب كتاب تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة، والشيخ عبد الرحمن بن حاقان صاحب كتاب الدواسر في معارج التاريخ، وقد أسهمت تلك الأسباب وغيرها الصبغة المميزة على شخصية مؤرخنا الشيخ/ عبد الرحمن آل الشيخ -رحمه الله- في كثير من الأمور منها: أن ألف وحقق وعلق في مواضيع كبيرة مهمة للغاية كنسب الأسرة المالكة الموقرة وسير الملك عبد العزيز (مخطوط)، وتاريخ نجد ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومشاهير وجهابذة العلماء، أيضاً الحزم والعصامية والجدية الفذة أن طبع بعض مؤلفاته على نفقته الخاصة وكانت تواريخ تأليفها متقاربة الفترات، أيضاً القوة في الرأي العلمي واستقلاليته وتميزه في جوانب عدة منها: الحكم على بعض الكتب والبحوث العلمية، ومنها وضع صورته الشخصية في كتابه مشاهير علماء نجد، وكان ذلك في غضون القول بتحريم الصور وبشدة لدى جمع كبير من العلماء، ومنها استحبابه لقب (المجاور) أو (نزيل مكة المكرمة) وقد كان يذيل اسمه بذلك.
* ثبت بأهم المصادر والإفادات:
- الحنابلة خلال ثلاثة عشر عاماً. لعبد الله الطريقي 11/ 353.
- المبتدأ والخبر لعلماء في القرن الرابع عشر وبعض تلاميذهم لإبراهيم السيف 2/ 192.
- معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية لعلي الطاهر 4/ 1848.
- إفادات الدكتور حمد العنقري والبحاثة إبراهيم آل الشيخ والشيخ محمد النمي والأستاذ علي بالخير.
** **
الدكتور/ خالد بن علي الحيان - المرشد الديني للقوات البحرية