خالد بن حمد المالك
لم يكن أحد يتوقَّع أن تأتي المصالحة بين الأطراف وقطر بعد أربع سنوات من المقاطعة بهذه السرعة، وبهذا التفهّم من جميع الدول، وأن تُدفن الخلافات، وتُطوى صفحة (وقفة النفس) وتُفتح الحدود، ويبدأ الجميع في علاقاتهم على المحبة والإخاء، بكلمات عذبة، وروح خلاَّقة، ونرى من المشاهد ما يرضي كل الأطراف في عبارات وجمل ومعان جميلة.
* *
الإرادة السلمانية -نسبة للملك سلمان - كانت المظلة التي حقَّقت كل هذا، فقد أظهر من المرونة والفهم، وتحمّل المسؤولية كأب للجميع، ما جعله يقود الانقلاب على الخلاف، ويعيد أمور العلاقات إلى مصادر عزها وقوتها، بعيداً عن التخندق خلف خلافات لا يستفيد منها إلا أعداء دول مجلس التعاون، وقد نجح في تحقيق حلم الخليج العربي، دولاً وقادةً وشعوباً، بشكل أظهر أن القادة العظام لا يغيبون وقت الشدة، ولا يتخلون عن دورهم ومسؤوليتهم متى كان هناك نداء مخلص وصادق ومحب للملمة الجراح، وهكذا كان سلمان.
* *
على الجانب الآخر، كان محمد بن سلمان برؤيته، بنظرته البعيدة، برئاسته الناجحة لاجتماع قمة العلا، أو قمة قابوس وصباح، يضع يده على الجرح، يداوي، يعالج، يصنع عملاً كبيراً للتاريخ، بحيوية الشاب المقدام، وتطلعات القائد الفذ، دون أن يهاب، أو يتردد، في قول ما يجب أن يُقال الآن وليس غداً، ومن غير أن ينفضَّ اجتماع القادة دون قرارات شجاعة، واتفاقات مفرحة، وعمل يضع دولنا وشعوبنا في مكانها الصحيح، بلا خلافات، بل توجه نحو مُصالحة لديها القوة والمنعة من أي عارض مستقبلي، أو تآمر جديد.
* *
وعلينا أن نتذكَّر الكويت بأميره الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، وخلفه الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد، فكلاهما عملا، توسطاً، كانا في رحلات مكوكية، فشلا في أكثر من مرة، ولم ييأسا، فقد حاولا المرة تلو الأخرى، بعزم لا يلين، ورغبة حقيقية في لم الصف الخليجي، وتطويق مصادر الفتنة، والتوجه نحو علاقات جديدة، تقوم على حسن النيِّة، وتعتمد على الصدق، والانحياز إلى المصلحة العامة، لا إلى المصالح الشخصية الضيِّقة.
* *
في هذه المرحلة من النزاع، والخلاف بين قطر وكل من المملكة والإمارات والبحرين ومصر، كان الصوت الأمريكي في شخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاضراً، وسعيه يتجدد ويتكرر، فالخلافات ضد مصالح الدول الخليجية والعربية، بل وضد مصالح أمريكا، وضد استقرار هذه المنطقة المهمة من العالم، ولم يخب ظنه، فقد تكلَّلت الجهود، جهود الجميع إلى ما وصلت إليه المساعي الخيِّرة في إنهاء هذا الشقاق، والبدء في العمل لما هو أفضل.
* *
الآن ها هي الحدود مشرعة للعبور جواً وبحراً وبراً، وها هي لغة الإعلام تصل ندية إلى آذاننا، وها هم المواطنون في كل دولنا لا يتحدثون إلا بما تم الاتفاق عليه في العلا، مرحبين، وسعداء، ممتنين بما تم التوصل إليه، فالمصالحة قوة ومنعة للجميع، وإبحار جديد في سفينة تضم الجميع لبلوغ أهدافنا وآمالنا وتطلعاتنا.