عبدالعزيز السماري
إذا أردت معرفة الخير والشر أو الإصلاح والفساد فابحث في التفاصيل، وكما قال الإصلاحيون الشيطان في التفاصيل، وهي مقولة تعبِّر عن واقع اقتصادي وسياسي في جنوب شرق المتوسط، فهي سبب تلك الكوارث التي أدت إلى فساد الحرث والأرض وتهجير السكان، لذلك يجب وضع رقابة مقابلة لكيفية تطبيق الأنظمة، وذلك حتى لا تكون مجالاً خصباً للفساد..
لا شك أن محاربة أي فساد تبدأ من خلال كشف الأرقام من جهة رقابية مضادة، وتبيان حقيقتها بكل تجرد، وذلك من أجل معالجة الأخطاء أو الفساد في حساب الأرقام، فالأرقام لا تكذب إذا وضعت بكامل تفاصيلها على سطح الطاولة، والشفافية مرآة لمختلف الأعمال في مختلف المجالات، فمختلف الأعمال تخضع للأرقام بدءًا من البحث العلمي إلى نسب التضخم والبطالة، وإلى دخل الفرد، فمختلف هذه النتائج إذا تم قياسها بتفاصيل، تستطيع من خلالها معرفة الواقع وقراءته.
لا شك أيضاً أن الفارق الحضاري بين الفشل العربي والمنجز الأوروبي تحكيه مختلف التفاصيل، لذلك علينا أن نحاول دائماً توثيق تلك الحكاية بكامل فصولها، لعل وعسى أن تتحرك الجهود نحو ذلك الطريق، فالإنسان مهما تشدَّق بمقولات أو صور أو جغرافيا، ستظل المنجزات على الأرض المقياس الرئيس لنجاحاته، وسينسى التاريخ كل الألسنة التي حاولت تزييف الحقيقة من أجل حفنة من مال أو منصب أو جاه..
تُستخدم الأيدولوجيات والنعرات والشعارات لإخفاء التفاصيل، كما تختفي في ثنايا المقولات العظمى، والتشدّق بالأقوال الخالدة، ويمكن قراءة المشهد من خلال أرقام الخمسين السنة الماضية، لكن تطفو على السطح بعفوية تفاصيل المنجزات الحضارية، وبالتالي تختفي مختلف الصور والمقولات والأيدولوجيات، كما تتحول الوطنية إلى أرقام ومنجزات اقتصادية، ومعدلات تنموية وصحية وتعليمية.
تعبّر مقولة «الشيطان في التفاصيل»، عن المصالح الشخصية التي تجري خلفها بعض المشاريع والطرق والمنجزات وعدد من القرارات، وإذا لم تبرز على السطح ستكون بمثابة الهلاك لاقتصاد وتنمية البلاد، لهذا السبب أعتقد أن محاربة الفساد ليست بالمنجز السهل، فالدول المتقدِّمة وضعت وسائل متضادة لكشف المصالح الخفية بين الأرقام.
ظهرت على السطح تصريحات أن حساب بعض الخدمات تقديري، وكان بمثابة القشة التي قصمت ظهر الخطوط العريضة، فكيف مر ذلك على جهات محاربة الفساد، وكيف أخذوا أموالاً على أوجه تقديرية، والمسألة الأكثر غموضاً أن لا تجد الأسئلة إجابات قانونية أو نظامية.
هناك أمثلة عديدة تدل على أن التفاصيل تختلف عن الإعلان عن نظام ما، وإذا لم نبحث في كيفية تطبيق تلك الأنظمة حسابياً، سيظل الفساد يبحث عن طريقة ما في التفاصيل لسرقة أموال الدولة والعبث بمصالح الناس، وعليه يجب أن يكون هناك شفافية في كيفية تطبيق وحساب الأرقام بعد إقرار نظام ما.
الطريق إلى زمن الحضارة بكامل زينتها يبدأ بخطوات المحاسبة والمراقبة المجهرية على التفاصيل، وإذا تخلت الأنظمة العربية عن العفاريت التي في التفاصيل، والتفرّغ لمهمة قراءة الأرقام من خلال منظور إصلاحي، سننجح في الخروج من العتمة، وبالتالي إخراج الحالة العربية من وضع الغيبوية الحضارية.