د.محمد بن عبد العزيز الفيصل
حبست وسائل الإعلام أنفاسها لتترقب بشغف شديد نتائج القمة الخليجية في العلا، التي تتابعها باهتمام شعوب دول مجلس التعاون، فكل الآمال والتطلعات معقودة بالأمير الشاب، الذي استطاع بحكمته وحنكته ودبلوماسيته الخاصة، أن يعكس رؤية قائد الأمة العربية والإسلامية مولاي خادم الحرمين الشريفين، التي تقوم على جمع الكلمة ورأب الصدع، فاستطاع أمير الرؤية وربان القمة أن يعبر بها إلى بر الأمان ليحقق بهذا الإنجاز الكبير أسمى أهداف مجلس التعاون الخليجي وهو تعميق وتوثيق الروابط والصلات، وأوجه التعاون القائمة بين شعوب دول المجلس في مختلف المجالات.
إن هذا النجاح الكبير للقمة الخليجية في العلا، تشكل عبر استثمار مكان القوة التي تتمتع بها المملكة في مختلف المجالات وشتى الأصعدة؛ فهي الركيزة التي أشار إليها سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في أكثر من محفل، ليحسن استثمارها والمحافظة عليها لتكون المملكة دومًا في الصدارة، ولفهم هذه المكانة التي تتمتع بها المملكة لا بد من الوقوف على النقاط المهمة في هذه المسيرة الحافلة، والتي تجعلنا نستوعب قدرة المملكة وقيادتها على التعامل مع مختلف الظروف والسياقات التي يمكن أن تواجه المنطقة، وسأحاول أن أوجزها في تسع نقاط، هي:
* لن تجد الدول العربية والإسلامية، ودول الخليج بالذات ملجأً آمنًا أكثر من مملكة العز والخير والإباء، فهي الدرع المتين، والحصن الحصين؛الذي يقيهم بعون الله من تقلبات السياسة وخطر الانقلابات وداء الحروب.
* تنتهج المملكة في سياستها الخارجية، مبدأ تغليب المصالح العليا في كل المواقف التي يبرز فيها دورها بشكل فعّال وإيجابي.
* شكّلت المملكة بمكانتها وعمقها التاريخي والاستراتيجي القاعدة الأساس والركن الآمن الذي تلجأ إليه الدول العربية والإسلامية في حال تعرضها لأي أزمة كانت.
* أثبتت المواقف والظروف بعد نظر مولاي خادم الحرمين الشريفين، ورؤيته الثاقبة في معالجة الأمور صغيرها وكبيرها؛ فهو قدوة مشرفة لكل دول الجوار.
* تبرز في مواقف متعددة حكمة سمو سيدي ولي العهد، ودبلوماسيته الفائقة، وقدرته على جمع الكلمة ورأب الصدع وتغليب المصالح العليا، وهذا ما عبرت عنه كلمته التي ألقاها في القمة الخليجية في العلا.
* المملكة منذ تأسيسها وفي كافة أطوارها وأحوالها وتحولاتها، تنبذ التآمر والخيانة والإيذاء، مما جعلها نبراسًا وقدوة في عالم السياسة البراغماتي المتلاطم.
* مرت المملكة بالعديد من الأزمات في مختلف مراحلها، وفي كل محنة يبرز الرجال الأوفياء الذين يلتفون حول قيادتهم ويدعمون كافة قراراتها ويدافعون عن مصالحها؛ ليكشف سلوكهم الوطني الخونة من أصحاب الولاءات الخارجية، والانتماءات الحزبية من أعضاء الطابور الخامس الذين سيسجل التاريخ تخاذلهم عن نصرة وطنهم والدفاع عن قيادته ومواقفها النبيلة.
* مواقف هذه البلاد وقياداتها الكريمة؛ راسخة وخالدة وهذا مما يكشف احتفاء التاريخ بسيرة هذا الوطن وقادته الكرام، فالمملكة كانت وما زالت صاحبة اليد الطولى، والمواقف الحاسمة، فهي الدولة الوحيدة التي يعكس سلوكها القيم العربية والإسلامية، فمن يملك سواها العفو عند المقدرة؟!
* ستظل المملكة بقيادتها الكريمة وشعبها الأبي، قدوة خالدة تقدم في كل يوم دروسًا في التضحية والنبل والوفاء، لتكون هذه القيادة النبيلة مدرسة تُمثل كل معاني المروءة والأخلاق العربية والإسلامية الأصيلة.
في قمة العلا برزت فروسية سيدي ولي العهد، الذي سما بالمملكة وبكل دول الخليج فوق كل خلاف واختلاف، فسادت روح الألفة والمحبة بين الأشقاء، وفي هذا الموقف التاريخي الخالد الذي جسده سموه تظهر قيمة مجلس التعاون الخليجي الذي تصدى بقيادة المملكة للعديد من الأزمات التي عصفت بالخليج، فالسعودية هي مركز الخليج وقوته الواعدة، ومستقبله الزاهر.
لقد أكدت المملكة بمواقفها الداعمة لكل الدول الخليجية وشعوبها أهمية اجتماع الكلمة ووحدة الصف، فمن أولويات السياسة الخارجية للمملكة الحفاظ على أمن الخليج واستقراره، ولعل ما حدث لدولتي البحرين والكويت من أزمات مصيرية ووقوف المملكة إلى جانبهما هو خير شاهدٍ على ذلك.
لقد أكد البيان الختامي للقمة الخليجية في العلا، على المبادئ الأساس التي تبنتها المملكة وعلى رأسها مكافحة التطرف والإرهاب، وما يتصل بذلك من الحرص على قوة وتماسك مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، لما يربط بين هذه الدول من علاقات خاصة وسمات مشتركة أساسها العقيدة الإسلامية والثقافة العربية، والمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبتها في تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين من خلال المسيرة الخيرة لمجلس التعاون، بما يحقق تطلعات مواطني دول المجلس، ومن أهم النقاط التي شملها البيان الختامي وقوف دول المجلس صفاً واحداً في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي دولة خليجية، وهذا هو جوهر الوحدة، وبُعدها المتين، ويترجم ذلك أيضًا ما ورد في البيان من رفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية من أي جهة كانت، وضرورة الكف عن الأعمال الاستفزازية عبر إذكاء الصراعات والفتن، والتأكيد على احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل واحترام خصوصية الدول استنادا ًللمواثيق والأعراف والقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول.
وبعد انتهاء قمة (النجاح)، تتجه الأنظار إلى فارسها وقائدها الملهم سمو ولي العهد الذي استطاع بحنكته ومروءته وفطنته أن يعيد لمجلس التعاون الخليجي وهجه واستقراره وترابطه، لينهض من جديد فيكمل طريقه من التعاون إلى الاتحاد.