عثمان بن حمد أباالخيل
في مؤخرة الطائرة هناك صندوقان، وليس صندوقاً واحداً ولونهما ليس أسود كما يعتقد الكثيرون فلونهما إما برتقالي أو أصفر، أحدهما حفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية (الوقت، السرعة، الاتجاه) والآخر تسجيل الأصوات (المحادثات بين قائد الطائرة وبرج المراقبة، استنجاد، حوارات). هذان الصندوقان مصنوعان من مادّة التيتانيوم المقاومة للحرائق التي تصل حرارتها إلى 1100 درجة مئويّة. وفتحهما يتم عن طريق خبراء في فتح الصناديق السوداء. هناك نسبة مئوية من الناس تحتفظ بصندوق أسود في داخلها تُخزِّن فيه الأسرار الشخصية والأسرار التي تؤتمن عليها. هذا الصندوق يعيش مع الإنسان طالما قلبه ينبض بالحياة. ترى هل هذا الصندوق موجود على أرض الواقع أم أنه من الخيال، شخصيًا أراه موجود. لكن ما هي نوعية الأسرار التي تُخزّن داخل هذا الصندوق.
ليس من صالح الإنسان أن يبوح بأسراره الشخصية ومن الأفضل الاحتفاظ بها لكي ينعم بالراحة والسعادة. إنّ حفظ الأسرار يعد واحداً من ضمن أفضل الصفات الإيجابية التي يتميز بها الإنسان الذي لا يهم أحد سِواه. هذا الصندوق أحياناً يخفي حسابات بنكية تسمي حسابات نائمة لا يعرف أصحابها دون اتصال لمدة 60 عاماً هذا خارج المملكة وربما هناك حسابات نائمة في بنوكنا. عموماً تحوّلت حياتنا اليومية إلى أرقام سرية في مختلف نواحيها، من منا لا يحتفظ في جهازه الجوال أو محفظة أو ذاكرته عشرات الأرقام السرية التي تُسهّل إنجاز متطلّبات الحياة اليومية ابتداءً من الرقم السري الذي يفتح جهازه الجوال والرقم السري للصراف وجهاز الجوال والبطاقات الائتمانية والدخول للبنوك والأسهم والمواقع الإلكترونية وفتح باب السيارة وحقيبة السفر والريسيفرات والأرقام السرية للأجهزة، هذه أمثلة قليلة هناك الكثير والكثير في حياتنا، ولم يقتصر الأمر على حياتنا اليومية، بل تعدّى ذلك لشتى صور الحياة وعلى جميع المستويات. لماذا نخاف ونغضب حين نفقد أو ننسى رقماً سرياً؟ لماذا تحوّلت حياتنا إلى أرقام سرية؟
المثل السائد (كل سر جاوز الاثنين شاع)، وبيت شعر امرئ القيس:
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه
فليس على شيء سواه بخزان
هناك الكثير من الأمثال وأبيات الشعر التي تعطي العبر والدروس في حفظ الأسرار التي أصبحت تنتشر مثل النار في الهشيم. هذا الجيل يشبهون ذارية القمح في حفظ الأسرار شخصياً عندي قناعتي الشخصية أي سر تجاوزك غداً ينتشر لذا أقول: (كل سر تجاوز الإنسان شاع). وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أرضاً خصبة لإفشاء الأسرار، وكما يُقال (نشر الغسيل)، لكن لماذا وصل البعض إلى هذه الدرجة من إشاعة السر.
الخلاصة هناك من يموت ويموت معه سره الذي يحفظه في صندوقه الأسود، وهناك من يذيع السر ويتلذَّذ في تألم صاحب السر. أقتبس (الصدور خزائن الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها كل امرئ، مفتاح سره) عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.