إيمان الدبيّان
المجتمع جزء مهم من حياة الإنسان، والفرد ركن أساسي من أركان المجتمع، جزءان مكملان لبعضهما أثراً وتأثيراً؛ ولكن لا يجب إلغاء أحدهما جبراً وتنفيراً.
للإنسان حرية العيش، والترفيه، والسعادة بالطريقة التي يريدها هو، وليست التي يريدها الآخرون، دون تجاوز لحقوق المجتمع، وللمجتمع الحق في رسم نمطه المعتدل بعيدًا عن التطرف، أو الغلو الذي يمسخ الفكر، ويمحو الهوية، ويغيب العقل، ويدمر البشرية.
جذبني قلمي للحديث عن الاعتدال بمفهوم الوسطية وبمبادئ الإنسانية وأنا أقرأ وأشاهد فوز معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير بجائزة الاعتدال لعام 2020 من معهد الأمير خالد الفيصل للاعتدال في جامعة الملك عبدالعزيز، هذا المعهد الذي انطلق منذ إنشاء (كرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي) عام 1430 للهجرة، ثم صدرت موافقة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، على تحويل هذا الكرسي العلمي إلى مركز في جامعة الملك عبدالعزيز باسم (مركز الأمير خالد الفيصل للاعتدال)، والتي كانت بمنزلة حجر الزاوية لانطلاقة عمل المركز.
إلى تاريخ 24-1-1440هـ حيث صدر قرار معالي وزير التعليم بالموافقة على تغيير اسم مركز الأمير خالد الفيصل للاعتدال إلى مسمى معهد الأمير خالد الفيصل للاعتدال في جامعة الملك عبدالعزيز، هذا المعهد الذي تدرج في مسمياته له رؤية واضحة مضمونها: الريادة في تأصيل منهج الاعتدال ونبذ التطرف بكل أشكاله، وله رسالة محددة تبني الفكر المعتدل، وتنتج المعرفة عبر برامج تعليمية نوعية، ودراسات بحثية متميزة، وشراكات مجتمعية فاعلة.
عند الحديث عن هذا المعهد لزامًا علينا أن نذكر أهدافه الفكرية التي تسعى إلى توعية المجتمع بالمخاطر المحيطة، والدسائس الإرهابية الدفينة، دون تجاهل للأهداف المعرفية التي تبني المعرفة، وتطور المهارات العلمية والعملية، أما أهدافه السلوكية فهي تعزز قيم الاعتدال وروح الانتماء الوطني لدى أفراد المجتمع، ولا يمكن أن يكون الاعتدال داخلياً فقط، وحتى تكون ملامح الاعتدال بارزة كان الاهتمام بالصورة الذهنية التي تبرز منهج المملكة في مجال الاعتدال في الخارج سياسياً واجتماعياً، تلك الصورة التي كان الفائز بالجائزة هذا العام خير من صورها، وأنجح من رسمها في المحافل الدولية، والمواقف الدبلوماسية.
مجمل ما ذكرت من أهداف للمعهد، وما تطرقت له من رؤية ورسالة، هو برنامج تربوي تعليمي يجب ألا يغفل عنه كل أب مسؤول وأم مربية ومعلم واعٍ ليكون الاعتدال بذرة يزرعونها في الصغر ليجني مجتمعنا ثمارها مدى الدهر، فكلما انبلج نور الاعتدال زالت عتمة الفوضى والجهل، نحتاج إلى الاعتدال في أكلنا، وشربنا، وملبسنا، وطقوس حياتنا، حتى في ديننا، وحوارنا، واختلافنا، وفي صمتنا وكل صفحات حرفنا.
نعم نحتاج إلى الاعتدال في كل أمورنا؛ لأنه عندما أصبح منهجًا، والوسطية أسلوبًا شُرِّعت أبواب العقول التي أوصدت زمنًا، وفتحت نوافذ الفكر التي طمست سنين، وحُلَّت قيود نُسجَت من أوهام وذرائع لم يناد بها لا دين ولا شرائع، الاعتدال غيَّر وِجهة الكثير من شبابنا، فبدلاً من التوجه إلى معاقل التطرف، صار الهدف رياض العلم والإبداع والمعرفة بحرية وبلا تخوف.
نحتاج إلى الاعتدال الذي حرّك جزءًا مهمًا في المجتمع كان معطلاً، حيث كان لا يهمهم في المرأة إلا وضع حجابها على كتفها، أو رأسها، وهل أحكمت نقابها وقفازها؟، وتناسوا حقها الذي نالته اليوم بتطبيق الاعتدال دون تجاهل للاحتشام في كل مكان وحال.
الاعتدال عنوان الحياة السعيدة، وهدف للمبادئ السليمة التي انطلقت منه نواة معهد الاعتدال بفكر منطقي، وقلب وطني، وبروح صاحب الحس الإنساني السعودي.