رمضان جريدي العنزي
لي أصدقاء كُثر، ينوء بحمل أسمائهم الجوال، لكنّ واحدًا منهم هو عندي مثل الأصيل عند غروب الشمس، كالأفق وكالنسيم العليل، وكالحقل والرابية، يتيه في داخلي، ويذوب في حدقات العيون، ليس ملحًا، وليس لجاجًا، وليس مشاغبًا.. حذق وغير مشاكس، ولا يتصنع الكلام. مهذب وقليل الجدال. عرف الحياة والناس حتى سبر أغوارهم البعيدة. يملك نفَسًا طويلاً، وهدوءًا مغايرًا، وليس عنده هذيان ممل. لا يتجرد من واقعه، ولا يعيش واقعًا غير واقعه، ولا يتلبس بحالة هلامية. ليس سرياليًّا، وزوايا روحه ليست معتمة. يمقت الأنا، ولا يتحدث بها، مثل غصن التفاح، ودالية العنب، عنده المعنى معنى، والخيال خيال. يملك البهاء والصفاء. مذهل في السلوك والأخلاق، وله صمت مميز. عاش بهدوء، وعمل بهدوء، حتى كسب وربح.
أهمية صديقي تكمن في معاييره الكثيرة، قاموسه اللفظي، ونبله، وإيثاره، وأخلاقه العالية. يجعل من سلوكه وتعامله رسالة حياة. طرحه ثري، وليس ضحلاً، ولا يشبه الطنين الفارغ، أو الحرث في البحر. دائم البحث عن المعادلة التي تخدم الآخرين، عن فضاءات جديدة، وعن أرض جديدة لم تُحرث ليحرثها ببره وإحسانه. لغته منتقاة، وأسلوب تعبيره لافت، وجدير بالانتباه، ليس فوضويًّا، ولا مناطحًا، ولا مقاطعًا لحديث، مثل موجة وغيمة ترقص في الأعالي؛ لتمنحنا النشوة والفرح والحبور. له مزايا تفوقية كثيرة، لكنّ صمته البليغ، وهدوءه المغاير، هو ما يميزه أكثر بكثير عن مزاياه الجميلة الأخرى. يحترم الآخرين بدرجة عالية، ويحفظ لهم الحب والود. له توهج ودلالات ورسوخ وقيم روحية عالية. لا ينبش الماضي، ولا يحفر القبور، ولا يبحث عن الريبة والشك والجدل. لا يفشي سر صديق، ولا ينعت الآخرين بالألقاب السيئة، ولا يحاسب الآخرين على هفواتهم وسقطاتهم وأخطائهم. ثقته بنفسه عالية، ومسكون بتجليات الوجد. يبتعد عن الظلمة، ويقتفي آثار الضوء، مثل اللوز والنعناع، يطفحان بالرائحة والفائدة. يعرف كيف يوظّف الصداقة الحقيقية، ويقرب للود والتقارب، ويجيد القبض على منتصف العصا، مثل نهر له رقة ولهفة وعذوبة. وبالرغم من علوه، وتملكه من الدنيا، وحيزه لها، إلا أنه يرتفع دائمًا عن رماد الحرائق، ولغو الكلام، والمجادلة الصاخبة. لا يحب النرجسية، ولا يقول بالأنا.
هو صديقي، واسمه مكون من أربعة حروف، ودائمًا ما يذهلني بمزاياه الإنسانية الجديدة. أقدّم له زهرة بيضاء مخملية، وأدعو له بعمر مديد.