خالد بن حمد المالك
ما زالت القمة الخليجية وإعلان العُلا، وما انتهى إليه اجتماع القادة من نتائج مبهرة، وقرارات مفصلية، وطي لصفحة الماضي بكل سلبياتها وخلافاتها، والتوجه نحو بناء أوثق العلاقات بين دول مجلس التعاون من جهة، وبين مصر ودول مجلس التعاون من جهة أخرى، ما زال كل ذلك حاضرًا في أذهان دولنا وشعوبنا، بكل تفاصيله، حيث سادت روح التعاون، والرغبة في المصالحة، ودفن كل أسباب الخلاف والفتنة، والمضي قدمًا نحو كل ما يكرّس وحدة الصف، ويزيل أسباب التوتر، ويحول دون التدخلات الأجنبية في شؤوننا الداخلية.
* *
وما كان لهذه التطورات الإيجابية السريعة في العلاقات بين دولنا أن تفضي إلى هذا النجاح، لولا أن القائد الملهم الملك سلمان وضع كل ثقله وإمكاناته وزعامته المؤثرة في قلب الحدث، بتوظيف رحّب به جميع القادة، وأثنوا عليه، وتعاملوا معه بإيجابية، وأوكلوا أمرهم للملك الهمام ليتفق مع قطر على ما يحقق مصلحة الجميع، ويعيد العلاقات إلى دفئها وسابق عهدها، بنوايا حسنة، والتزام صادق، ورغبة مشتركة على منع أي اختراق غير إيجابي قد يفسد هذه العلاقات، وخاصة من الدول الأجنبية التي لا تريد الخير لنا.
* *
مضى الملك سلمان، بهدوء، وعمل بصمت، واستنفر كل ما يملكه ويتميز به من حكمة وبعد نظر ورؤية صادقة في البحث عن كل المخارج المهيأة للوصول إلى إقناع الجميع بما رآه للقضاء على ما كان سببًا في هذه الخلافات، بالنيابة عن جميع الدول المقاطعة لدولة قطر، ونجح أيما نجاح، وأهدى إلى هذه الأمة أجزل هدية، وأهم إنجاز، مع بداية عام 2021م في فترة استثنائية، وزمن صعب، انشغل فيه العالم بجائحة كورونا، وتداعياتها اقتصاديًا وصحيًا على دولنا وشعوبنا، لتكون محافظة العُلا، الإشعاع نحو العبور لعهد جديد في مسيرة مجلس التعاون في ظل مصالحة حقيقية وصادقة بفضل هذا الجهد الخلاق لخادم الحرمين الشريفين.
* *
وكما كان هذا دور الملك سلمان في هذه المهمة غير العادية، فقد كان يقف إلى جانبه ومعه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مساندًا وداعمًا ومسخرًا كل وقته، وكل جهده في تحقيق ما التزم به الملك سلمان لأخوانه القادة وتبناه وعمل من أجله منذ بدأ الخلاف، وإلى أن توج هذا العمل المقدر بإعلان العُلا الذي شخص المشكلة، وحدد أسبابها، وطرق معالجتها، وتوج كل ذلك بما تم الإعلان عنه من قرارات أثلجت صدور مواطنينا، ووصل صدى الترحيب بها إلى كل دول العالم.
* *
وبين الأدوار القيادية للملك سلمان، والرؤية الحكيمة لولي العهد محمد بن سلمان، كانت هناك قرارات سبقت إعلان العُلا، كما سبقت اجتماع القادة في قمتهم، وأعني بها إعلان المملكة عن فتح أجوائها وحدودها البرية والبحرية مع قطر، وهو قرار مفصلي مهم، لاحظنا مشاهد من الفرح عبرت عنه جموع الأشقاء إخواننا من المواطنين في قطر، بشكل عفوي، وكأنها تعبر عن فرح غاب عنها طويلاً، وفي عرس انتظرته منذ زمن، فلم تشأ أن يمر هذا الحدث مرورًا عابرًا دون أن تلامسه بالرقصات والغناء، وكل ما يعطيه حقه من البهجة والاهتمام.
* *
ومع هذا الإنجاز الخليجي والعربي الكبير والمهم، توقف الصوت الإعلامي النشاز الذي كان ينفخ لإشعال نار الفتنة، ولا يرغب بأن تكون الكلمة الواحدة سائدة في العلاقات بين دولنا، وبدأنا بدلاً من هذا اللغو نسمع التصريحات الإيجابية التي تثير في نفوسنا الراحة والاطمئنان، لتختفي مقابل ذلك لغة الغوغائيين من الإعلاميين، ومن ثم يسود الهدوء إعلاميًا في التعاطي مع ما كان خلافًا بين دولنا، بما يفتح الطريق من الآن لما هو أفضل في طبيعة علاقات دول المجلس المستقبلية.