د. محمد عبدالله الخازم
أحد نماذج التعليم الجامعي ما يعرف بنظام الجامعات (University system) ويقصد به مجلس إدارة موحد لمجموعة جامعات تتشارك في خواص متشابهة كأن تكون في منطقة جغرافية متقاربة أو تكون ذات طبيعة تمويلية متشابهة (ربحية أو حكومية مثلاً) أو تخصصات متشابهة. أثبت هذا المفهوم قدرة أكبر على تجاوز الصعوبات ومنها صعوبات الجائحة. النظام يبدأ بتشكيل مجلس أعلى موحد ثم يبدأ الاندماج في القطاعات الأخرى، حسب قوته وعمره وطبيعته، فالمتقدم قد يشترك في نظام مالي وتوظيفي واحد وبعضها يبدأ بالجانب الأكاديمي، كأن يكون هناك أنظمة قبول وتقنية وتعليمية وأبحاث مشتركة، وهكذا. الفكرة الأساسية هي وجود مشتركات يمكن الاستفادة منها بالذات في جوانب البنى التحتية، دون هدم السمعة والخبرة الأكاديمية التي تم بناؤها. الولايات المتحدة يوجد بها أكثر من 5300 جامعة وكلية وأكثر من 40 نظام جامعة. بعض تلك الأنظمة (المدعومة حكومياً) يضم أربع أو خمس جامعات فقط وعدداً من الكليات وبعضها يصل أعضاؤه إلى خمسين جامعة، بل وفي أحدها يزيد على مائة جامعة.
الفكر الاقتصادي التشغيلي والإستراتيجي في جامعاتنا يحتاج تطويراً والتكامل بينها ضعيف رغم مركزية حوكمتها وتمويلها. كان الاهتمام منصباً على تأسيس جامعات بكل منطقة، مع رفض فكرة إيجاد نظام جامعات أو جامعة بمقرات متعددة، رغم تكرار مطالبتي بهذا النموذج. أتذكر مقالاً كتبته قبل أكثر من خمسة عشر عاماً بهذا الخصوص، مع اقتراح تطبيقي لبعض المناطق والمحافظات وجاءني اتصال لطيف معاتباً من أحد أمراء المناطق يعتقد أن كل منطقة أو محافظة لها الحق بأن يكون لها جامعتها المستقلة، ولم تقنعه فكرة أن توفر التعليم الجامعي ليس بالضرورة عبر جامعة مستقلة. معه بعض الحق لأنه ربطها بتجربة فروع الجامعة وإدارتها السيئة آنذاك. مقترح تعدد المقرات يختلف عن فكرة الفروع المهمشة. مثلاً، جامعة كاليفورنيا الحكومية لها 23 مقراً وينتمي لها نحو نصف مليون طالب.
نفس المقاومة كانت في القطاع الصحي حينما اقترحنا اندماج بعض المؤسسات الصحية في المدينة الواحدة وها هم بعد عقدين من الزمان من مطالبتنا يتجهون إلى الاندماج بمسمى التجمعات الصحية. طبعاً التفاصيل نختلف أو نتفق حولها، لكن نكتب عن المبدأ العام.
أكرر الفكرة للجامعات، سموها اندماجاً أو نظاماً أو (كونسيتيوم) أو تجمعاً، فنحن الآن نسير وفق رؤية اقتصادية وجزء من أعمدتها تطوير الأداء وتحسين كفاءة الإنفاق ومجرد تقليص الميزانية أو إيقاف المشاريع أو نقل المرجعية لا يعد رفعاً للكفاءة الاقتصادية وإن خفض بعض النفقات. رفع الكفاءة الاقتصادية يكون بتقديم الخدمة بجودة مماثلة أو أفضل وبتكاليف أقل. هناك مصاريف إدارية وتشغيلية عالية للجامعات السعودية، نحتاج تقنينها والتركيز على التكامل نحو إنتاجية أكاديمية وبحثية أفضل. لعلنا نبدأ «نظام جامعات» بكل منطقة جغرافية، عبر مجلس أعلى موحد لكل أربع أو خمس جامعات لنصل إلى خمسة أو ستة مجالس أمناء بدلاً من ثلاثين تقوم بأعمال متشابهة...
ختاماً، الفكرة أطرحها للجامعات الحكومية باعتبار مرجعيتها الموحدة، وكذلك للجامعات والكليات الأهلية إن هي أرادت البقاء والنمو في عالم قوي.