محمد سليمان العنقري
سيدخل الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن للبيت الأبيض في العشرين من هذا الشهر وأمامه جبال من التحديات داخليًّا وخارجيًّا؛ فرغم التداعيات الكبيرة لجائحة كورونا على الاقتصاد الأمريكي إلا أن الأيام الأخيرة للإدارة الحالية رغم قصرها حملت مفاجآت لا يمكن لأحد أن يتوقعها عندما تحرك أنصار الرئيس ترامب يوم 6 يناير بعد أن خطب فيهم الرئيس إلى الكونجرس (رمز ديمقراطية أمريكا وبيت الشعب كما يصفونه)، وقاطعوا جلسة التصديق على الانتخابات الرئاسية من قِبل مجلسَي النواب والشيوخ في واقعة أصابت العالم بالدهشة؛ لأن الحدث في دولة تعتبر نفسها رمز الديمقراطية الأول في العالم، وهي الأكبر سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، وصاحبة التفوق التكنولوجي.. لكن السؤال الذي يتردد: هل انتهى ما حدث إلى غير رجعة أم إن هذا الزلزال ستبقى تردداته قائمة سنوات؟ فلا أحد لديه أدنى شك بقدرة أمريكا على تجاوز الحدث الفوضوي الكبير؛ فهي دولة مؤسسات، وهي في واقع الأمر إمبراطورية عظمى، وانعكاس ما يحدث فيها يتأثر به العالم بأسره. وحلفاؤها القريبون جدًّا منها في أوروبا وبريطانيا وكندا أدانوا ما حدث من اقتحام للكونجرس؛ فهذه الدول شعرت بأن خطورة ما حدث سيكون أثره البالغ عليهم سريعًا لكونهم شركاء أمريكا في حلف الناتو، وفي العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ وهو ما يعني أن الثقة بأمريكا ونظامها الديمقراطي أصبحت محل تساؤل؛ ولذلك فإن الرئيس بايدن وحكومته سيواجهون تحديات كبيرة لتبديد أي صورة سلبية هزت الثقة بأمريكا، وذلك على المستوى الداخلي، بإعادة توحيد المجتمع، وإذابة حالة الانقسام السياسي فيه؛ فهم سيواجَهون بمعارضة من أنصار ترامب، يعتقدون أن الانتخابات سُرقت؛ وهو ما يضع تحديات كبيرة بكيفية استيعاب هذه المعارضة إذا ارتفع صوتها مجددًا.. لكن المشكلة في اهتزاز الثقة بأمريكا لم تكن تداعياتها عند هذا الحد المعني بالداخل الأمريكي؛ إذ إن الثقة العالمية بأمريكا أصبحت أيضًا مثار تساؤل، وسيكون العامان القادمان بمنزلة اختبار لهذه الثقة؛ لأنها ليست محصورة بقراءة شأن داخلي. فهذا الانقسام إذا ما توسع فإن أثره سيكون كبيرًا على الثقة بمستقبل الاقتصاد الأمريكي وعملتها الدولار (عملة الاحتياط الأولى في العالم، والأكثر تداولاً بالتجارة الدولية وإحدى أهم أدوات قوة الاقتصاد الأمريكي في العالم). فمهمة الرئيس المنتخب بايدن لن تكون سهلة؛ فبخلاالعمل الداخلي الكبير الذي ينتظره أيضًا لديه ملفات خارجية ضخمة؛ فهو بحاجة لاستعادة ما خسرته أمريكا من علاقات، اهتزت مع حلفائها بأوروبا وكندا بعد الخلافات التجارية التي أشعلها الرئيس ترامب معهم، وأيضًا إنهاء الحرب التجارية مع الصين، إضافة لملفات سياسية عديدة، أبرزها الملف النووي الإيراني. فسنوات حكمه ستكون حافلة بالنشاط السياسي الداخلي والخارجي، وسيسعى لتقديم الكثير من (التطمينات) بأن أمريكا هي التي تعرفونها بقوة نظامها واقتصادها والتزامها بتعهداتها واتفاقاتها، وتعزيز علاقتها بحلفائها في العالم، بل التوسع في تحالفات جديدة. أمريكا هي القوة العظمى في العالم، وأصبحت قطبًا أوحد منذ ثلاثة عقود بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، لكن ظهرت قوى منافسة جديدة لها، على رأسها الصين. فما حدث في اقتحام الكونجرس أوضح أن أمريكا تأخرت بتحديث بعض الأنظمة لديها لتواكب النظام العالمي الجديد مع تغير المعطيات خارجيًّا، وكذلك داخليًّا. فتغير التحديات والمنافسين ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بكل تأكيد يتطلب تغيرًا ملائمًا للعصر الجديد؛ فالمجتمعات تحتاج بين فترة وأخرى للتجديد والتحديث بالأنظمة والتشريعات؛ لتستوعب متطلبات مجتمعاتها للمستقبل.