مها محمد الشريف
لم يكن أشد المتشائمين بقراءة المشهد السياسي الأمريكي بعد ظهور الانقسامات فيه يتوقع أن يشاهد متظاهرين يقتحمون معقل أهم مقر يرمز للديمقراطية الأمريكية وسط فوضى عارمة وصل فيها المتظاهرون إلى كل القاعات والمكاتب الرئيسة وقاموا بتحطيم النوافذ وأسفرت أعمال الشغب إلى مقتل أربعة متظاهرين ونقل عدد من رجال الشرطة للمستشفيات فالقصة بدأت منذ أيام عندما اعتبر الرئيس ترمب أن خسارته الانتخابات جاءت نتيجة تزوير قام به خصومه الديمقراطيون.
وشجع مناصريه للتظاهر يوم اجتماع الكونغرس بغرفتيه للتصديق على الانتخابات وبعد أن خطب بالحشود لمدة ساعة طلب منهم التوجه للكونجرس، ويبدو أنه لم يتوقع الفوضى التي وقعت، فالحشود لا يمكن التنبؤ بما تفعل أو تتحكم بأفعالها وهذا ما حدث، ومن ثم حاول ترمب أن يدعوهم للعودة لمنازلهم، لكن وصول تعزيزات أمنية أقرب من كلماته ونصائحه سابقت الزمن ووصلت لإنهاء هذه المظاهرات وتأمين الكونجرس الذي عاد للاجتماع فوراً وصادق على فوز بايدن كرئيس جديد لأمريكا.
ويبدو أن كل ما نشاهده غير مناسب لتاريخ دولة عظمى تصف نفسها بالديموقراطية والقائدة والمنقذة، والأحداث الراهنة تفرض الكثير من التساؤلات فما هي الخارطة السياسية والاستراتيجية التي ستوجد بداخلها أمريكا؟، كيف يظل الرهان قائماً من دون تسوية وتخفي المعلومات داخل ثناياها بعدما وصمت الانتخابات بالتزوير؟، وتعبر أفق الحدث في المستقبل للناخب بعد أربعة أعوام قادمة؟، وكيف ستربط سلاسل قوتها بعالم شهد تباعد حلقاتها وكيف ستفرض التزامها تجاه العالم؟، ثم ما أولوياتها ومن هم حلفاؤها الكبار والصغار على السواء، وما هو مصير الإنسان في عصر كورونا الخائف، الجائع، المتشائم، المشتت، وإنسان ما بعد وباء كورونا والحرب الباردة؟.
بعد العثرة في تاريخ الديموقراطية، واقتحام أنصار الرئيس الجمهوري دونالد ترمب لمبنى الكونغرس في واشنطن، بدأ العديد من مسؤولي البيت الأبيض بتقديم استقالاتهم بحسب ما أشارت وسائل الإعلام، حيث أفادت شبكة «سي إن إن» أن مستشار الأمن القومي روبرت أوبرايان، ونائبه يبحثان تقديم استقالتيهما خلال الساعات المقبلة، وكانت النتائج لهذه الفوضى تخبر عن مقتل أربعة من مؤيدي ترمب داخل الكونغرس، بعدما دارت بينهم وبين قوات الأمن مواجهات عنيفة، مما دعا أعضاء الكونغرس للاحتماء ريثما وصلت تعزيزات أمنية واستعادت السيطرة على المبنى بعد نحو أربع ساعات.
وبعد الشغب والعنف صادق الكونغرس على فوز جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وفي اعتقاد الكثير لن يكون الواقع أكثر وضوحاً أمام الرئيس الجديد لأن الساحات لا تخلو من مخلفات «اندرو جاكسون» الرئيس الراحل والأكثر جدلاً في تاريخ أمريكا، حيث سيكون هناك تحدٍ كبير يتمثل في إقناع الجماهير الخارجية، وحتى الشركاء والحلفاء، بأن الولايات المتحدة تتمتع بالمصداقية فيما يخص قوتها الدائمة، وأن «أمريكا عادت من جديد» كما قال الرئيس المنتخب.
لا شك أن نزعة السيادة أدت إلى تبعات أخرى تخالف سياستها وتوجهها من جميع النواحي، و»سيكون هذا التحول الثاني في السياسة الخارجية بزاوية 180 درجة خلال أربع سنوات.
ولدى الإدارة المقبلة إصرار على استعادة التحالفات المتوترة التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة لأكثر من سبعة عقود، لكنها مهمة صعبة للغاية». كما قال: ستيوارت بارتيك، مدير برنامج الحكم العالمي والمؤسسات الدولية في مجلس العلاقات الخارجية.