رمضان جريدي العنزي
(لا يجب أن نكون وكالة توظيف للشرق والغرب) هذه الجملة العنوان لم أقلها أنا، بل قالها غازي بن عبدالرحمن القصيبي - رحمه الله - عندما كان وزيرا للعمل، وهو الذي كان يعرف خبايا السعودة ودهاليزها، قصصها وأوهامها، مراحلها وتحدياتها، أصدقاءها وأعداءها، المثبطين لها والمشجعين، المحبين لها والمبغضين، إننا نحتاج إلى مزيد من الجهد والعمل من أجل السعودة الحقيقية وتوطين الوظائف، إن على وزارة الموارد البشرية فرض واقع جديد يكون للمواطن النصيب الأكبر والأهم في وظائف القطاع الخاص، مثلما يحصل في أي بلد آخر، وهذه ليست شعوبية، بل حق طبيعي لتمكين المواطن من الفرص الوظيفية الكثيرة والعديدة والمتشعبة في وطنهم، الوظائف العليا والقيادية قبل الوظائف الهامشية والدنيا، إن على وزارة الموارد البشرية ألا تعمل أو تعتمد من الآن فصاعداً على العلاجات المسكنة والمهدئة، وأن لا تقبل بأن يكون السعودي مجرد رقم هامشي في سعودة وهمية مقابل مبلغ زهيد، فالشباب السعودي المؤهل يبحث عن وظيفة حقيقية وراتب مجز، ويقبل أن يعمل وفق الحقوق والواجبات، إننا لا نلغي أو نتجاهل اجتهاد وزارة العمل في العمل من أجل السعودة، لكننا ما زلنا نطلب منها المزيد لأنها المظلة والمرجع والحائط والمسند والمتكأ، ونطلب منها العمل الفوري على نبذ السعودة الوهمية ومحاربتها بكل السبل والطرق الممكنة، والتي أفرزت لنا خاملين وكسالى بلا خبرات تراكمية ولا قدرات ولا مهارات، إننا نرفض بريق أرقام التوظيف الخادعة الوهمية، وفق تحايل كبير وتلاعب، ودهاليز وغموض، ومراوغات واستغلال ثغرات، إن السعودة الوهمية قتلت شبابنا، ووأدت فيهم روح الجدية والمثابرة؛ فلا هم تمكنوا من العمل، ولا أُتيحت لهم الفرص لإثبات الذات، لقد خدرتهم الشركات والمؤسسات اللامسؤولة طويلاً، وأضاعت أوقاتهم، وهدمت مستقبلهم المهني، وفق كلام معسول، وحلاوة مواعيد كاذبة، ومارست معهم التجاهل والخداع والتزييف، وتم خداع بعض المسؤولين في الدولة والمعنيين في هذا الشأن بصنع وظائف وهمية، ليست معاشة، وليست على أرض الواقع، ومجافية للحقيقة. لقد دأب البعض من الشركات على تعيين الوهمي بصورة غير نظامية لأغراض تجاوُز متطلبات برنامج نطاقات، إن هذه السلوكيات قد أحدثت شرخًا كبيرًا وغائرًا في جسد السعودة العليل أصلاً. لقد كبر التحايل، ونما في مجال السعودة، وأصبح المستفيد الأول والأخير من هذه المخادعة والحيل هو (الوافدالذي ينعم بخيرات البلد ويرتع، وفق التواءات وعبث ولعب ودسائس، بعضها مكشوف، وبعضها الآخر مخفي، بينما (السعودي) مجرد رقم هامشي وضئيل، بالكاد يُرى في هذه اللعبة العتيقة الغامضة، لقد أضرت السعودة الوهمية بشبابنا كثيرًا، وأضرت باقتصاد البلد، ولها تأثير قوي وفعال على التنمية المستدامة. إن أغلب الدراسات في مجال السعودة أشارت إلى أن التقدم في الإحلال والتوطين لم يتحقق بعد رغم السنوات الطوال، ورغم الإجراءات الكثيرة المتعلقة بهذا الأمر، إن العالم الناجح يعتمد اعتمادًا كليًّا على الأيدي العاملة الوطنية، ويستمد قوته من قوة القوى الوطنية العاملة التي تتسم بقدر عال من الحراك والتفاعل والعمل. إن إصلاح سوق العمل يجب أن يكون أولوية قصوى، وفق ضوابط واشتراطات جديدة، قوية وضاربة، وتشريعات حمائية تحمي المواطن من الشركات والمؤسسات المتلاعبة، لكي نحافظ على توطين حقيقي بعيدًا عن الحيل والدسائس، يجب أن نحل أزمة السعودة القائمة منذ سنوات طوال، التي ظلت تراوح مكانها الوقت الطويل، إننا نمر بوقت عصيب وفترة حرجة، وعلينا لكي نتجنب الأسوأ أن نسرع عملية التوطين والإحلال بعجلة لا تتوقف ولا تهدأ، إننا بحاجة إلى وضع رؤية واضحة، تحل أزمة البطالة، وتكون حائلاً ومانعًا من استفحالها. إننا بحاجة إلى جهود جبارة لمواجهة هذه المشكلة المعضلة من جوانب عدة، والحل الأمثل والأسرع هو البحث عن تحالفات ما بين رجال الأعمال والعمالة الوطنية وفق ثقة عالية بين الطرفين، بأنه لا يحك جلدك مثل ظفرك. وكذلك القضاء على (التستر) الذي يريد أن ينخر بنا حتى يحولنا إلى مومياوات عتيقة، إن على الجميع أن يعي أننا نمرّ بمرحلة حرجة، يجب أن تتضافر فيها كل الجهود، وأن يتحمل الجميع المسؤولية كاملة بعيدًا عن الأنانية والتفرد والتوحد، لكي نعبر النفق بثقة عالية، وعمل جلي، وسعودة حقيقية تبني الوطني وترفعه.