إبراهيم بن جلال فضلون
في التسعينيات، بإحدى القرى الفنلندية، خاض شاب تجربة مريرة مع موظف خدمة العملاء في متجر ما، واصفاً الموظف بأبشع الأوصاف في قوله الذي اقتبست منه: «كان ذلك تنمرا بحق، كان يتعمد تجاهلي وليس خدمتي، وقد كان ذلك يثير حُنقي، ولم أنس الأمر أبداً»، وهو كغيره.. ظلت تجربتهُ تراوده كُرهاً ومقتاً على الشركة وخدماتها، ومن منا لم يتعرض لذلك خاصة في شركات المحمول، والقصد هنا ليس أن جميع الموظفين سيئون بل إن أسوأهم 1% ، لكن ضآلة تلك النسبة يُمكنها التأثير فيمن حولها، ليكون طامة الرقم سراً في خسارة الشركات، ولعل فكرة تقييم مدى رضاء العملاء قد أساءت للفكرة السامية ذاتها لتصويب الأخطاء والتعلم منها، والاكتفاء فقط بمراقبة مستوى الخدمة التي تُقدم للعملاء، وأخذ التقييم دون تقديم ما يتعاطف مع العميل..
لسنا هنا ضد التوطين بل إن السوق المحلي وجد وزيراً قد وضع النقاط على الحروف، أخذا بسلبيات سوق العمل لتحقيق أهداف الرؤية وقرارات القيادة الحكيمة، لكن ما نتحدث عنه هو التدريب قبل وأثناء وبعد التوظيف.
وقد تكرر معي الأمر في شركة للاتصالات، بالرابع من أكتوبر 2020، عندما ذهبت لدفع فاتورتي، وبعد الانتهاء وقيامي بالذهاب شاكراً المُوظف، سألته سؤالاً عن الحد الائتماني، وفوجئت بفصل الخدمة عن الخط وأنا جالس بحجة ضرورة رفع الحد الائتماني، فتعجبتُ مُلاطفاً إياه ولم يسمع لي، فما هو شعورك حينها، وأنت تحتاج للخط لضرورات الحياة التي قد تكون قاسية كتركك للأهل بمكان ما منتظرين وهم يتصلون بك، ولا تستطيع الاتصال بهم، لا جوال ولا انترنت، أو لأمر طارئ لا قدر الله، فطلبت المدير، وهنا الفرق والتدريب وقمة الوعي والإدارة، وتم حل المشكلة، بعد مُضي نصف ساعة، وأنا بحالة مقت من الموظف -هداني وهداه الله-.
فمن الواقع المعاش لسوق العمل في قطاعاتنا المختلفة خاصةً القطاع الخاص، الذي لا يُمكننا التغاضي عنه أو الهروب من مواجهته بشجاعة وجرأة وحزم، من خلال القرارات والمبادرات الرشيدة لحكومة المملكة ورؤيتها 2030، التي تأخُذ التحديات المُقبلة محمل الجدية، وببصيرة واسعة، تجعلنا غير قلقين مما تحمله تقديرات وصول أعداد الباحثين عن عمل من المواطنين والمواطنات إلى 1.9 مليون باحث وباحثة بحلول 2022، بادئاً من تصحيح تشوهات سوق العمل المحلية في القطاع الخاص، بتوطين الوظائف العليا «القيادية والتنفيذية»، والوظائف المُتوسطة البالغة 1.0 مليون وظيفة شاغرة بعمالة وافدة، يمكن أن تُلبي ما نسبته 63 % من إجمالي الباحثين عن عمل، لكن التدريب أولي قبل التوظيف، وهو أمر إن تحقق سيعد خطوة جيدة جدا قياسا على الأوضاع غير المواتية التي يمر بها الاقتصاد العالمي عموما، والاقتصاد الوطني والقطاع الخاص محليا في ظل الجائحة والظروف الاقتصادية العصيبة على الاقتصاد العالمي، والتي -ولله الحمد- لم تتأثر بها المملكة، وإشادة العالم بها فهي القائد والرائد الاقتصادي لأعتى دول العالم في G20.
وبالنظر إلى ما جرى على أرض الواقع حتى نهاية الربع الأول من 2020 فقد أظهرت البيانات الرسمية انخفاض أعداد العمالة الوطنية من 1.78 : 1.71 مليون عامل، أي بانخفاض أعلى 62.3 ألف عامل، ونسبة انخفاض بلغت 3.5 %، وانخفاض العمالة الوافدة من 7.9 مليون: 6.67 مليون عامل وافد، أي بانخفاض بلغ 1.24 مليون عامل وافد، ونسبة انخفاض بلغت 15.6 %.
سيدي الوزير نحن بحاجة للتدريب والمعاملة التي جُبلنا عليها بمملكة الإنسانية من قبل شركاتنا خاصة شركات المحمول، فما جاءت مناسبة إلا وقد أكد ملك الإنسانية وولي عهده وحكومتنا الرشيدة على حمل هموم المواطن ومن على أرض الحرمين الشريفين، وأمام ما تسجله القيادة الحكيمة من مواقف عظيمة، لا بد أن يستمر العمل بمد يد العون والمساعدة لكل مستهلك أو عميل، لنعكس للعالم متانة وتعاضد وتآخي كل من يعيش على أرض مملكة الإنسانية.