د. مساعد بن سعيد آل بخات
قرأت قبل بضعة أيام إحصائية صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء تُفيد بارتفاع نسبة البطالة في المجتمع السعودي إلى 15.4 % لمن هم فوق 15 سنة, حيث تُشكِّل نسبة الذكور منها 8.1 %, في حين أن نسبة الإناث تُشكِّل منها 31.4 %.
كما بلغت نسبة المشتغلين من العاملين حسب أنظمة لوائح الخدمة المدنية, وحسب نظام التأمينات الاجتماعية ونظام العمل والعمال, والعمالة المنزلية كما يأتي:
من السعوديين 23.3 % بحيث يُشكِّل الذكور نسبة 64.8 % وتُشكِّل نسبة الإناث 35.2 %.
ومن المقيمين 76.7 % بحيث يُشكِّل الذكور نسبة 87.0 % وتُشكِّل نسبة الإناث 13.0 %.
لذا..
فمما لا شك فيه بأنَّ البطالة تُعد من أهم المشكلات الاجتماعية التي تُعاني منها معظم دول العالم وليس المجتمع السعودي فحسب، خصوصاً عندما تزيد نسبة البطالة عن المعدل الطبيعي لها 5 %.
فما هي البطالة؟ وما أنواعها؟ وما هي أسباب ارتفاعها؟ وما هي أهم المقترحات للحد منها؟
تُعرِّف منظمة العمل الدولية البطالة بأنها: «هو ذلك الفرد الذي يكون فوق سِن معينة بلا عمل وهو قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه عند مستوى أجر سائد, لكنه لا يجده».
ومما ينبغي توضيحه في موضوع البطالة، أنَّ لها عدة أنواع بتعدد أسبابها والعوامل المؤثِّرة فيها, كما يتفاوت انتشار هذه الأنواع من البطالة باختلاف المجتمعات، فعند انتشار نوع محدد من البطالة في مجتمع ما فليس بالضرورة انتشار نفس هذا النوع من البطالة في المجتمعات الأخرى، ومن أنواع البطالة التي تنتشر في المجتمعات بشكلٍ عام ما يأتي:
أولاً: البطالة الظاهرة: هي التي تُعلنها المنظمات الدولية والجهات الرسمية في الدولة.
ثانياً: البطالة المقنعة: ناتجة عن وجود عمالة زائدة عن حاجة العمل, بمعنى أنه يمكن الاستغناء عن بعضهم دون أن يتأثر حجم الإنتاج.
ثالثاً: البطالة الطبيعية: هي التي توجد في جميع دول العالم, بحيث لا تتجاوز 5 % من جملة القوى العاملة في الدولة.
رابعاً: البطالة الدورية: ناتجة عن تقلبات الاقتصاد حول خط نمو البطالة الطبيعية, فتتأثر بالنشاط الاقتصادي إما انكماشاً أو انتعاشاً.
خامساً: البطالة المزاحمة: ناتجة عن مزاحمة الوافدين والوافدات للمواطنين والمواطنات في فرص عمل متاحة لهم في المجتمع.
سادساً: بطالة اختيارية: ناتجة عن ترك الفرد لعمله بمحض اختياره وإرادته.
سابعاً: بطالة احتكاكية: ناتجة وجود أُناس عاطلين عن العمل لكونهم لم يجدوا عملاً يتناسب مع تخصصاتهم الدراسية مما يجعلهم يلجأون لخبراتهم وقدراتهم التي قد تكفل لهم عملاً آخر لا يتوافق مع التخصص الدراسي.
ثامناً: بطالة هيكلية: ناتجة عن عدم التوازن بين العرض والطلب, أي عدم الملاءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
وعندما نبحث في أسباب ارتفاع نسبة البطالة نجد أنَّ من أهمها ما يأتي:
أولاً: تُشير نظرية (الدروات التجارية) إلى أنَّ من أسباب حدوث البطالة بين أفراد المجتمع حدوث دورات طبيعية في النظام الاقتصادي تتراوح بين الانكماش والانتعاش, ففي حالات الانكماش يتم ترويج تنبؤ تشاؤمي لحركة النشاط الاقتصادي بين رجال الأعمال مما يؤدي بهم إلى تقليص نشاطهم الاستثماري فترتفع نسبة البطالة, وفي حالات الانتعاش يسود التفاؤل بين رجال الأعمال مما يؤدي بهم إلى تزويد نشاطهم الاستثماري فتنخفض نسبة البطالة.
ثانياً: ضعف المواءمة بين مخرجات التعليم العام ومخرجات التعليم العالي مع سوق العمل، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين ما يتعلّمه الطلاب والطالبات في المدارس والمعاهد والكليات والجامعات مع المهن المطروحة للتوظيف في المؤسسات الحكومية والشركات.
ثالثاً: ندرة تضمين مفردات سوق العمل بالمناهج الدراسية سواءً في التعليم العام أو التعليم العالي، والتي قد تساعد الطلاب والطالبات بتوجيه مسارهم المهني في المستقبل.
رابعاً: قصور الدور الإرشادي في بعض المدارس لتوجيه مسار الطلاب والطالبات نحو الوظائف التي تتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم، من حيث عقد ورش عمل وندوات وفعاليات ... إلخ مما في شأنها أن تكون كفيلة بتوعية الطلاب والطالبات بما هي الوظائف المناسبة لهم في المستقبل.
خامساً: ضعف توطين الوظائف سواءً في المؤسسات الحكومية أو الشركات، فمثلاً عندما يتخرَّج طبيب أسنان سعودي من أحد كليات الطب فإن له الأحقية كمواطن للعمل في المؤسسات الحكومية أو الشركات عوضاً عن المقيم.
سادساً: اعتماد بعض أفراد المجتمع على تقاليد بالية انتقلت من الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة، فمنعت الفرد من ممارسة مهنة يُجيدها بحجة مخالفتها للتقاليد المجتمعية ذات القدسية لدى أفراد المجتمع، مما يؤدي إلى كبت المواهب التي قد تُستثمر لتصبح مهنة يستفيد منها الفرد في حياته بصرف النظر عن الشهادة أو المستوى التعليمي.
ومن الحلول المقترحة للحد من مشكلة البطالة ما يأتي:
أولاً: التنسيق المشترك بين وزارتي الموارد البشرية والتعليم بما يضمن أن يجد خريجو المعاهد والكليات والجامعات من الطلاب والطالبات وظائف تتناسب مع تخصصاتهم وقدراتهم.
ثانياً: دعم البرامج والمشاريع ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تحرص على توظيف مواطنين ومواطنات.
ثالثاً: مساواة المواطنين والمواطنات بالمقيمين والمقيمات في الرواتب والمزايا, خصوصاً عند عملهم في نفس الشركة.
رابعاً: إنشاء شركة وطنية للتوظيف تكون مهمتها توفير مرشحين ومرشحات مؤهلين لوظائف القطاع الخاص.
خامساً: عدم الموافقة على منح تأشيرة عمل لأي شركة أو جهة ما إلا في حال عدم توفر مواطنين ومواطنات مؤهلين لشغل هذه الوظيفة.
سادساً: زيادة عدد الشُّعب في الكليات والجامعات لاستيعاب أكبر قدر من الطلاب والطالبات والذين يحتاجهم سوق العمل, في تخصصات معينة, مثل: الطب, الهندسة, حاسب آلي, أمن المعلومات, أمن سيبراني, ذكاء اصطناعي, تحليل بيانات... إلخ.
سابعاً: افتتاح أقسام جديدة في الجامعات والتي تُعنى بمجالات الثقافة المتنوِّعة من عِمارة وأفلام وموسيقى وتراث وتصميم ومسرح ... إلخ, وخصوصاً أنَّها جديدة على سوق العمل السعودي مما يجعلنا بحاجة لمواطنين ومواطنات لديهم شهادة دراسية في أحد هذه المجالات تؤهله للعمل في هذه الوظائف.
ثامناً: تقليص أو إغلاق الشُّعب والأقسام في الكليات والجامعات للتخصصات التي تشبع منها سوق العمل مما أدى إلى عدم توظيف الخريجين والخريجات الجُدد.
تاسعاً: إدراج مواد عملية (حِرفية) في مدارس التعليم العام, وخصوصاً في المرحلة الثانوية, بما يضمن في المستقبل امتلاك الطلاب والطالبات على شهادة علمية وِحرفة مهنية, والتي قد تفتح لبعضهم آفاقاً جديدة للعمل في أي قطاع يرغبون فيه بدون إكمال دراستهم الجامعية.
ختاماً..
أُولى خطوات البحث العلمي هي الإحساس بالمشكلة, ومن ثمَّ تحديدها, ووضع حلول لها, لتُنفذ ويتم القضاء على المشكلة أو على أقل تقدير الحد منها.