سوف يحكم التاريخ على أن العلاقة التي دامت 50 عامًا تقريبًا بين المملكة المتحدة وأوروبا كانت جيدة لكليهما.
يمكننا أن ننسى الحداد بشكل لائق لنهاية حياة بريطانيا كعضو في الاتحاد الأوروبي.
مع استعراضنا للخطب الجنائزية التي تجري في مثل هذه المناسبات، فإننا نستذكر تلك الخطبة التي وضعها ويليام شكسبير على لسان مارك أنتوني في مسرحية «يوليوس قيصر» حيث يقول أنتوني: «الشر الذي يفعله الرجال يعيش بعدهم أما الخير فغالبًا ما يُدفن معهم.»
قبل أن نهيل آخر حفنة من التراب على جثة عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، يجدر بنا أن نستذكر الأشياء الجيدة التي أثمرت عنها تلك العلاقة على الرغم من أن الطلاق الفوضوي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي قضى على سنوات ذلك الزواج السعيد الذي امتد 50 عاماً تقريباً.
لا أحد يشك في أن سنوات بريطانيا الأوروبية اتسمت غالبًا بالتردد وأحيانًا بالمقاومة. ولأسباب عدة لم تستطع بريطانيا أبدًا الجلوس بشكل مريح في المكان الذي قدم لها في الثالوث المقدس للاتحاد الأوروبي إلى جانب فرنسا وألمانيا.
لكن هذا لا ينبغي أن يحجب السبب الرئيسي للحزن على الطريقة التي انتهى بها كل شيء: لقد فعلت بريطانيا الكثير من الخير لأوروبا وأوروبا فعلت الكثير من الخير لبريطانيا. نصف القرن هذا لم يكن غارقًا في العبث. لم يكن الأمر كله مضيعة للوقت.
لم يكن من الممكن إنجاز شيئين كبيرين في تاريخ الاتحاد الأوروبي بدون البريطانيين وهما السوق الموحدة وتوسع الاتحاد الأوروبي. المشكلة في كليهما، في الواقع، هي أن بريطانيا دفعتهما إلى الأمام دون أن تفهم تمامًا تداعياتهما السياسية.
السوق الموحدة هي الإنجاز العظيم للاتحاد الأوروبي ومن المفارقات أن حمايتها كانت الهدف الأكبر في المفاوضات بشأن التجارة المستقبلية مع المملكة المتحدة. ببساطة لم يكن هذا الأمر ليحدث لو لم تضغط مارغريت تاتشر بشدة. كانت المشكلة هي أن تاتشر لا يمكن أن تقبل أبدًا أنه يجب موازنة أعمال السوق الواحدة بمعايير اجتماعية وبيئية ومعايير سلامة مشتركة، مع القدرة السياسية والقانونية والإدارية على إنفاذها. وتبقى الحقيقة في أن القوة التي شكلت الاتحاد الأوروبي على مدى الثلاثين عامًا الماضية كانت تحركها بريطانيا.
وبالمثل، لولا بريطانيا، ليس من الواضح على الإطلاق كيف كان الاتحاد الأوروبي سيرد على سقوط جدار برلين بعد الدور البريطاني المؤثر في جلب دول حلف وارسو لتكون ضمن دول الاتحاد الأوروبي. مرة أخرى، كانت تاتشر هي التي أعلنت هدف توسيع الاتحاد الأوروبي في خطاب ألقته في عام 1988. وفي ظل الرئاسة البريطانية، افتُتحت المحادثات حول تلك العضوية مع الموجة الأولى من دول وسط أوروبا. كان توني بلير هو الذي دفع لاحقًا من أجل السماح لرومانيا وبلغاريا بالانضمام. هنا أيضًا، لم تكن تداعيات السياسة البريطانية مفهومة حقًا في بريطانيا ولم يوضح بلير أن حرية الحركة تعني المزيد من الهجرة من هذه الدول. ومع ذلك، في هاتين المسألتين المحددتين، كانت بريطانيا مغامرة وطموحة وحيوية وفعالة.
على الجانب الآخر من المعادلة، ساعد الاتحاد الأوروبي بريطانيا في حل المعضلات المنصوص عليها في الكتاب الأبيض لعام 1971 فيما يتعلق بعضوية السوق المشتركة.
الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أتاح بالفعل لبريطانيا تجاوز ماضيها الإمبراطوري وأعطاها القدرة على تخيل مستقبل أوروبي لنفسها. لقد أعطت بريطانيا لنفسها طريقة للوجود في العالم لا تعتمد على عظمة الماضي.
وقد ساعد الاتحاد الأوروبي المملكة المتحدة على تسوية أكبر مشاكلها الداخلية وهو الصراع في أيرلندا الشمالية. ربما كانت المشاركة المباشرة للاتحاد الأوروبي في عملية السلام هامشية، لكن تأثيره غير المباشر كان كبيرًا .
عندما انضمت بريطانيا وأيرلندا معًا في عام 1973 للاتحاد الأوروبي، كانت العلاقات بينهما سيئة للغاية، وتحت ضغط مستمر من الاضطرابات، ولكن من خلال العمل معًا بشكل وثيق في الاتحاد الأوروبي، تعلمت الدولتان التصرف كأصدقاء، دون استياء من جانب أو تنازل من جانب آخر. كان افتراض استمرار عضوية بريطانيا وأيرلندا في الاتحاد الأوروبي هو الذي جعل من الممكن، في عام 1998، بناء اتفاقية سلام بين الطرفين يمكن أن تقود إلى مصالحة سياسية على أساس التكامل الاقتصادي والاجتماعي.
لقد أدى الملل والإحباط والحقد خلال السنوات الأربع الماضية إلى محو ذكرياتنا عن الأشياء التاريخية المفعمة بالأمل التي حدثت بفضل عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، كما شجع الخطاب المناهض للاتحاد الأوروبي في بريطانيا فكرة سائدة في أوروبا مفادها أن الاتحاد الأوروبي سيكون في وضع أفضل بدون هؤلاء الساخطين الجامحين والمتغطرسين!
لم تقم بريطانيا في أي وقت من تاريخها بتشكيل القارة بشكل عميق دون شن حروب، ولم تكن في أي وقت في تاريخها قادرة على التصرف تجاه جيرانها بطريقة متوازنة نتيجة أوهام العظمة.
و كما اختار فريق البيتلز كلماتهم الأخيرة المؤثرة في أخر أغنية لهم:
«في النهاية.. الحب الذي تأخذه.. يساوي الحب الذي تصنعه.»
** **
فينتان أوتول كاتب عمود في صحيفة (أيريش تايمز) الأيرلندية - عن (الجارديان) البريطانية