إعداد - خالد حامد:
الموسيقى لماذا الموسيقى، يسألني أحدهم؟
حسنًا، أيها الأصدقاء، ببساطة لأن هناك عددًا كافيًا من الأصوات الرديئة، كما قد يقول لودفيج فان بيتهوفن، عن العدوى والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا الذي اجتاح المجتمعات حول العالم خلال 2020.
ما نحتاجه الآن، كما قال الملحن الألماني الشهير في قصيدة (نشيد الفرح) Ode To Joy، خاتمة مفعمة بالحيوية للسيمفونية التاسعة، هي المزيد من «الأغاني المليئة بالبهجة».
أصوات انتصار الأخوة العالمية للإنسان، والموسيقى التي تتحدث عن مباهج الحياة والصداقة والتعاضد، كلها غابت بشدة في أيام الإغلاق والعزلة.
للأسف، في هذه الأوقات العصيبة، بدلاً من التوافق، نرى القادة يتشاجرون على الخلاف حول كيف بدأ الوباء وما الذي يمكن فعله معًا للتغلب عليه.
لا عجب إذن أن يتجه الكثيرون إلى الموسيقى - ليس فقط لبيتهوفن، ولكن لأي نوع من الموسيقى، من فرقة البيتلز إلى بيبر وبيونسيه - مما تسبب في زيادة حجم التنزيلات من النت وخدمات البث، حتى أنه تم إزالة الغبار عن الأقراص المضغوطة وتسجيلات الكاسيت القديمة، في محاولة لرفع الحالة المزاجية، وبث الأمل والإلهام في النفوس، وربما إشعال تلك الشرارة التي تربط جميع البشر كأخوة كما تقول قصيدة «نشيد الفرح».
أكمل بيتهوفن السيمفونية التاسعة في عام 1824، عندما كان أصم تمامًا - هل تتخيلوا ذلك؟!
وقد تم إعلان هذه التحفة الرائعة كجزء من التراث الثقافي العالمي في عام 2003 من قبل اليونسكو.
لهذا السبب دخلت صحيفة (سترايت تايمز) في شراكة مع قائد الفرقة الموسيقية السنغافوري الشاب ونج كاه شون وكذلك مع المجلس الوطني للفنون والسفارة الألمانية في سنغافورة، لتقديم عرض افتراضي لهذه المقطوعة، يجمع بين الفنانين الصغار والكبار، والمحترفين والهواة، الآسيوي والغربي، من كل مكان تقريبًا حول العالم.
قابلت كاه تشون لأول مرة منذ عدة سنوات عندما دُعيت من قبل زميلة في صحيفة (ستريت تايمز) هي نيرمالا موروغيان، لحضور إحدى حفلاته الموسيقية.
لقد وجدت نفسي مذهولًا، ليس فقط بالموسيقى التي تُعزف على الآلات الأوركسترالية الغربية والصينية، ولكن أيضًا بالطريقة التي يستمتع بها الأطفال، الذين لم يتجاوز عمر بعضهم أربع أو خمس سنوات، وكثير منهم من أسر متواضعة. جلس البعض بهدوء واستمعوا بتأمل للمايسترو الشاب.
كان كاه تشون، بمظهره الطفولي يتعامل بشكل تلقائي مع الأطفال، حيث كان يتفاعل معهم ويتحدث معهم حول الموسيقى، وما تعنيه لهم، وشرح لهم كيف أصبح قائد فرقة أوركسترا في نورمبرج في ألمانيا. هذا عالم بعيد عن بداياته المتواضعة في جورونغ ويست في سنغافورة، والتي عاد إليها مؤخرًا بعد تفشي الفيروس.
يقول كاه تشون: «أدركت منذ فترة طويلة أنني كنت محظوظًا جدًا لمقابلة الأشخاص المناسبين في حياتي الذين قادوني إلى الفرص المناسبة لاستكشاف الموسيقى. ولكوني من عائلة متواضعة، من المهم بالنسبة لي أن أفعل الشيء نفسه وافتح نوافذ مماثلة في الفنون للآخرين، خاصة للأطفال من الأسر ضعيفة الموارد. وهدفه، كما يقول بطريقة متواضعة، لا يتمثل في رعاية جيل جديد من محترفي الموسيقى، بل كان يأمل في إثراء حياة هؤلاء الصغار بالموسيقى.
ويضيف»أعتقد أن الموسيقى يمكن أن تكون قناة للأطفال لاستكشاف العالم من حولهم، ولتنمية بعض المهارات مثل الاستماع والاحترام والتعاطف. فهي تساعد على تعميق قوة الخيال لدى أطفالنا».
يقول كاه تشون «عندما استمع إلى مقطوعة Pathetique Symphony لتشايكوفسكي، ينهمر الدمع منى مدراراً لأنها مؤثرة وحزينة بشكل كبير». ويؤكد إن «الأمر أشبه بمشاهدة دراما رائعة حيث تسير القصة بشكل جيد ويتم سردها بشكل جيد. أريد مشاركة هذه التجارب العاطفية مع أشخاص آخرين، واكتشفت أن الأمر أسهل مع الأطفال مقارنة بالبالغين، لأنهم ليس لديهم تصورات مسبقة وهم كرماء في استكشاف أذواقهم الموسيقية الخاصة».
لقد طالب كاه تشون بجعل الموسيقى الكلاسيكية شاملة ومتاحة للجميع، ولا ينبغي أن تكون مقتصرة فقط على المتميزين وذوي الكفاءات العالية بل يجب أن تشمل الجميع، وخاصة الأطفال الذين يجب أن يجلسوا بالقرب من الموسيقيين وهم يعزفون على آلاتهم.
تم إجراء العديد من الدراسات على مر السنين حول قوة الموسيقى في نمو الطفل بصرف النظر عن الفائدة الواضحة المتمثلة في تقدير الموسيقى أو القدرة على العزف على آلة موسيقية، قيل إن هذه العملية تعزز لغة الأطفال ومهاراتهم الاجتماعية، وترفع معدل ذكائهم، وتطور الانضباط بالإضافة إلى قوى الاستماع والمراقبة، وربما حتى تعمق فهمهم لأنفسهم وعالمهم.
يمكن أن تحرك الموسيقى أي شخص تقريبًا، وأحيانًا عندما لا تتوقع ذلك. ما عليك سوى أن تكون منفتحًا للسماح لها بعمل سحرها.
في ديسمبر من عام 1991، حضر رئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك، ميخائيل جورباتشوف، وزوجته رئيسا عرضًا للسيمفونية الخامسة لماهلر. لم يسمع جورباتشوف القطعة من قبل. لكن بينما كانوا يجلسون ويستمعون إليها، كانت الإمبراطورية التي يترأسها زعيم هذه القوة العظمى تتفكك. أصابت الموسيقى وترًا عميقًا. لقد أزعجت جورباتشوف وزوجته بطريقة شعرت أنها شخصية بالنسبة لهما، كما يروي المعلق الموسيقي نورمان ليبريشت في كتابه الرائع عن حياة الملحن، بعنوان لماذا ماهلر؟
يقول غورباتشوف: «كان لدي شعور» بأن موسيقى ماهلر أثرت بطريقة ما في وضعنا... بكل مشاعرها وصراعاتها. في الحياة، هناك دائمًا صراع وتناقض، ولكن بدونها - لا حياة. كان ماهلر قادرًا على التقاط هذا الجانب من الحالة الإنسانية».
في هذه الأوقات المحيرة، عندما يكون هناك الكثير من الصراع والتناقض، وعدم اليقين والمجهول في كل مكان أعتقد أنه من الأفضل لنا أن نتحول إلى موسيقى رائعة - بغض النظر عن ذوقك؛ من بيتهوفن إلى البيتلز، تشايكوفسكي إلى كولدبلاي، ومن بوتشيني إلى بينك - كمصدر من العزاء والإلهام والأمل والفرح.
أترككم هنا مع الكلمات الغنائية الرائعة لوليام شكسبير في الفصل الثالث من مسرحية (العاصفة) ويقول فيها:
«لا تخافوا، الجزيرة مليئة بالضوضاء، أصوات وأجواء رائعة تبث الفرح ولا تؤلم. إذا كنت قد استيقظت بعد نوم طويل، ستجعلني الموسيقى أنام مرة أخرى. وفي الحلم، سوف تنقشع الغيوم، وتلوح ثروات تقترب نحوي. عندما استيقظت بكيت لأحلم مرة أخرى».
** **
وارن فرنانديز - رئيس تحرير صحيفة (ستريت تايمز) السنغافورية - عن صحيفة (ستريت تايمز)