العقيد م. محمد بن فراج الشهري
تحرَّك العالم وانقلبت الموازين، وشاع الخوف والذعر في أرجاء المعمورة كافة، واهتزَّت القلوب والأفئدة خوفاً وهلعاً من فيروس أتى فجأة فقلب حياة الأمم رأساً على عقب، وقامت الدنيا ولم تقعد من أجل اختراع لقاحات إلى الآن ما زال علمها عند الله.. وما ستسفر عنه من مخلفات على الصحة العامة بشكل عام.
لكن العالم كله تناسى أو يتناسى ما هو أخطر وأشنع وأصعب من جائحة كورونا.. إنها جائحة الجوع، نعم الجوع الذي أهلك الملايين في مناطق العالم كافة وبالذات في أفريقيا، وآسيا، وعواقبه أكبر ضرراً من فيروس كورونا.. إذا ما عرفنا أن (270) مليون على شفير المجاعة، والتحذيرات المتواصلة من برنامج الأغذية العالمي، حيث ذكر (ديفيد بيزلي) المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي الأمريكي، أنه بسبب الحروب العديدة، والتغير المناخي، والاستخدام الواسع النطاق للجوع كسلاح سياسي وعسكري يعد الجوع جائحة عالمية تزيد من خطورة الموقف بشكل كبير ويتجه (270) مليون شخص نحو المجاعة المهلكة، وبؤر المجاعة الحقيقية تتمركز في بوركينا فاسو، وجنوب السودان، وشمال شرق نيجيريا، واليمن يتجه إلى كارثة حقيقية بسبب عصابات الحوثي التي دمرت اليمن، واستنزفت طاقاته، وشردت أبناءه، ودمرت البنية التحتية... وخربت كل ما كان صالحاً، وفي اليمن بالذات تتجه جائحة الجوع إلى أعلى مستوياته وفيه سوء التغذية الذي يسجل مستويات قياسية، وسيتفاقم الوضع من جراء الجائحة وقلة الأموال.. وقد عبر المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي عن سخطه لما يمكن أن يكون أكثر اللحظات سخرية في التاريخ المعاصر، وقال: «من جهة بعد قرن من التقدم الكبير للقضاء على الفقر أصبح هنالك تراجع مخيف حيث إن (270) مليون شخص اليوم على شفير المجاعة»، وأضاف: «من جهة أخرى تقدر ثروات العالم اليوم بـ(400) ألف مليار دولار، وفي أوج جائحة «كوفيد- 19» خلال (90) يومًا فقط، تم تكوين ثروة إضافية تقدر بـ(2700) مليار دولار. ونحتاج إلى خمسة مليارات دولار فقط لإنقاذ ثلاثين مليون نسمة من محيط مجاعة قاتلة... لذلك وجب على العالم كله شرقه وغربه، شماله وجنوبه، أن يستقيظوا ويبحثوا عن لقاح للجوع.. نعم لقاح. فهو المهلك الحقيقي للبشرية ولا شيء أشنع وأكبر وأعظم ألماً من الجوع، حيث الموت البطيء والأنين المبكي.. إن منظر الجياع في أفريقيا، وبورما، والسودان، واليمن.. وغيرها، يدمي القلوب، ويُبكي العيون، ويشطر القلوب، واليمن لك الله يا يمن، لا أدري إلى متى والأمم الحجرية تتفرج على كوارث العصابات الحوثية، وبعض الدول التي تسعى لإطالة أمد الحرب، إنني أعتقد جازماً أن الأمم المتحدة شريك رئيسي في مجاعة اليمن والمجاعة الضاربة التي تحيط به، ولولا الله ثم جهود المملكة العربية السعودية الإغاثية لكان أكثر من مليويمني في إعداد الأموات، لكن إلى متى يستمر هذا الحال.. وإلى متى تستهين دول العالم بجائحة الجوع التي أعتقد جازماًَ بأنها أشد وأنكى، وأقسى من فايروس أشغل العالم كله، وتناسوا الفايروس الأخطر.. إن الجوع طاعون لا يمكن القضاء عليه إلا بتكاتف دولي، ورعاية كل اللاجئين، والمشردين، وحمايتهم، والوصول إليهم، وتتبع مناطق المجاعة، لأن الأمراض الخطيرة تأتي من بؤرة المجاعة، فهل نشهد في العام الجديد شيئًا من الحرب ضد المجاعة؟ هل نشهد استيقاظًا لخطرها المدمر؟ وحتى نقضي على الفايروسات يجب أن نقضي على المجاعة أولاً وقبل كل شيء.