د. عبدالحق عزوزي
عرفت سنة 2020 تسونامياً لم يسبق له مثيل: تسونامي صحي عصف بدول العالم وبدأ يترك تداعيات جسيمة على حياة البشر واقتصاديات دوله؛ وبدأت تتغير أمور كثيرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وطبياً؛ وأصبحت الصحة والاستثمار في هذا المجال من أولويات الدول بأسرها وبدأت علاقات الدول تتغير فيما بينها وعلاقة الأفراد بالمجتمعات وبالطبيعة.... ورغم ما نسمعه من تعاف لبعض الاقتصادات في بعض من المجالات، فإن القيود الصحية والبلبلة المتواصلة في سلاسل الإنتاج والتوريد ستعيق أي انتعاش اقتصادي حقيقي؛ كما أن بعض القطاعات الاقتصادية المهمة مثل الفنادق والمطاعم وتنظيم الفعاليات الثقافية، ستبقى متوقفة أو شبه متوقفة، ناهيك أن حركة النقل الجوي الدولي لن تتعافى إلا بعد مرور سنوات وفي حالة ما إذا لم تشهد البشرية موجات جديدة من الفيروس، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
فمن كان يتوقع في بداية سنة 2020 ما كانت تضمره السنة لا أحد !! إنها سنة غيرت العالم والنظام العالمي والمجتمعات وطبيعة العيش كما لم يحصل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ففي غضون أشهر معدودات شل فيروس كورونا المستجد المدن والبلدان والقارات وأوقف عجلة الاقتصاد وحجر ما يزيد عن أربعة مليار إنسان في مساكنهم؛ وأودى الوباء بأرواح أكثر من مليون ونصف مليون نسمة وأصيب ما لا يقل عن 72 مليوناً بهذا الفيروس، والظاهر أن عدد الإصابات أكثر من ذلك بكثير.. وفقد العديد من الناس أحبتهم وأهاليهم وجيرانهم، فيما قضى البعض أياماً وأسابيع في المستشفيات مع منع الزيارات..
ومن كان يتصور أن التفاوت الاجتماعي المسجل منذ سنوات سيتفاقم أكثر من أي وقت مضى. ومن كان يتصور أن العناق والمصافحة والقبلات ستصبح مجرد ذكرى، فيما يتبادل الناس الحديث عبر الكمامات والواقيات المتنوعة..
ومن كان يتصور أنه ستشل سنة 2020 قطاعات بأكملها من الاقتصاد العالمي، وفي طليعتها الطيران وصناعة السيارات وحتى البيع بالتجزئة والشركات الصغرى والمتوسطة، وأنها ستلغي الآلاف من الوظائف..
تنبأت عدد من الأفلام الهوليودية بفيروسات وأوبئة تجتاح منطقة أو مناطق أو العالم وتثير الرعب والهلع كفلم Contagion وهو أقرب الأفلام إلى سيناريو ما يحدث اليوم بسبب فيروس كورونا؛ وهناك أفلام أخرى مثل فيلم The Omega Man وفيلم World War Z وفيلم Pandemic وغيرها ولكن لما تقارنها بدقة مع ما جرى سنة 2020 من واقع فيروس كورونا فلا أحد من مخرجي أفلام السينما أصاب في خياله الفني، كما لا أحد من الإستراتيجيين قراء المستقبل تنبأ بهذا كله.. ومع هذا الوباء باتت أكثر الدول غنى عاجزة أمام هاته الجائحة. وبرزت نتائج النقص المزمن في الاستثمار في المنشآت الصحية مع مستشفيات تكافح من أجل استمرار عمل أقسام العناية المركزة فيها التي تجاوز عدد المرضى فيها قدرتها على الاستيعاب في دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بل إن دولاً عظمى مثل فرنسا عانت من نقص من الكمامات الطبية واستوردتها من دول استباقية مثل المغرب..
صحيح أن كوفيد 19 ليس أكثر الجوائح فتكاً في تاريخ البشرية؛ فنحن نعلم أن الطاعون في القرن الرابع عشر أودى بحياة ربع سكان العالم. وقضى ما لا يقل عن 50 مليون شخص في الإنفلونزا الإسبانية بين العامين 1918 و 1919 ولكن مع الكوفيد فإنه يكفي أن تتنفس في المكان والزمان غير المناسبين وبدون إجراءات وقائية لتصاب بالعدوى..
ما كنت أتصور يوماً أنني سأدرس طلبتي في الجامعة أو أن اشارك في المؤتمرات الدولية ومناقشة الأطروحات من البيت ولا أن يدرس ابناي بنفس الطريقة، ونحن الذين اعتدنا لعقود الالتقاء المباشر بالطلبة والتجاوب المباشر مع أسئلتهم وأبحاثهم..
كشفت لنا سنة 2020 أن النظام العالمي مريض وأناني، وأن الدولة-القومية في أزمة، والمرحلة المقبلة سيتغير فيها كل شيء بدءًا من أسس هذا النظام وأولويات الدولة القومية بما في ذلك الاستثمار في الصحة والعلاقات الاجتماعية الجديدة..
يذكرنا هذا الفيروس بالآية الكريمة {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (/5-694 ) والرسول (ص) يقول: «اصبروا فلا يهزم عسر يسرين».
وفي الختام سنة 2021 توحي ببداية جديدة، فإما نحن سنبني حياة تتماشى والسبب الذي من أجله خلقنا أي لعبادة الخالق وإعمار الأرض والتعايش فيما بيننا، وإما سنحكم على أنفسنا بالويلات والمصائب.