زكية إبراهيم الحجي
والبحرُ متسع وخاوٍ لا غناء سوى الهدير/وما يبين سوى شراع لوحته العاصفات وما يطير... السفر في تاريخ اليمن المعاصر سفر طويل معتم.. وأحداث التاريخ لا تسير دائماً بشكل رتيب فكثير من الأحداث قد تأتي بصورة غير متوقعة وتُغَير من رتابة الأوضاع وتحرفها في اتجاهات لم يكن أحد يتصورها والأحداث التي تعصف بمجتمع أو دولة ليس شرطاً أن تكون محلية بل قد تكون خارجية، ومن خلال خلايا ومجموعات داخلية موالية قد تكون من أبناء نفس المجتمع.. ضمن هذا المنحى فإن من يغذ السير في تاريخ اليمن المعاصر يشعر بالمرارة والأسى على ما حلَّ بموطن أقدم الحضارات على وجه الأرض.. اليمن الأرض التي تميزت بعظمة وحكمة إنسانه.. وبريشة الإبداع المتقد مخلدة إرثاً تراثياً استهوى كثيراً من المستشرقين والرحالة والمستكشفين.. اليمن موئل الشاعر الحميري الغامض وضاح اليمن ذلك الشاعر الذي وُضِعت خلف اسمه ألف علامة استفهام حول شخصيته وكيف كان ينثر قصائده في قصاصات غير مكتملة.. شاعر غامض عاشِق لذاته يتباهى بنفسه أمام الناس وشعراء زمانه قائلاً:
ضحكَ الناسُ وقالوا شعر وضاح اليماني...
إنما شعري قَنْدٌ خُلِطَت بالجُلْجُلان
(القَنْد: عسل قصب السكر.. أما الجُلْجُلان: هو السمسم) إبداع محفور في وجدان الشعب اليمني رغم ما طال تاريخهم المعاصر من مآس نتيجة الحروب وتفاقم الصراعات القبلية والمذهبية وتمدد الجماعات الإرهابية كداعش والقاعدة إلى جماعة الحوثي ذات الجذور العقائدية والذين خرجوا من كهوف جبال صعدة وباتوا رقماً صعباً في الأزمة اليمنية الحالية لكونهم الذراع الإيرانية في المنطقة.. السؤال إلى متى ستبقى أرض منابت القهوة وفناجين الأحزان أمام مفترق الطرق عصية عن أن ترسم وجهاً مشرقاً لليمن وشعبه المنهك من الحروب.
الأزمات متلاحقة في اليمن وهي ليست وليدة اللحظة فما أن تنتهي أزمة حتى تتبعها أخرى وعلى مدى التاريخ لم تكن اليمن خالية من الصراعات سواء كانت سياسية أو أهلية أو قبلية تتوجه بولائها للخارج وبوجه التحديد إلى إيران وفي كل فترة من فترات الصراع كان اسم اليمن من أبرز عناوين الصحافة والإعلام بشكل عام.. وبات الشارع اليمني مسرحاً درامياً مؤلماً فالأوضاع الاقتصادية في حالة من التدني الشديد والمعاناة الإنسانية تفاقمت إلى حد اعتبارها الأسوأ في العالم بحسب التقارير والمنظمات الدولية.. أما البنية التحتية فقد أعادت اليمن إلى عصور سابقة كما أن القمع والاعتقال والقتل بات مصير كل من تسول له نفسه معاداة الحوثيين في صنعاء وفي كل المحافظات التي ترزح تحت وطأة ميليشيا الحوثي الإرهابية.. اليمن أرض فريدة في تكوينها التاريخي والاجتماعي والديني.. اليمن كيان لا يشبهه كيان آخر فطبيعة التكوين القبلي المناطقي المذهبي مسيطر على المشهد.. فمتى ينعم اليمن وشعبه بالأمن والسلام وتعود السعادة لليمن الجريح الذي وُصِف يوماً ما باليمن السعيد لكنه لم يتذوق طعم السعادة على مر تاريخه المعاصر.