أ.د.عثمان بن صالح العامر
الناس في هذا الباب أصناف عدة:
* إنسان يعيش كما يريد الله، وهو صاحب (نفس مطمئنة)، شخصيته تتسم بالتوافق النفسي، والانسجام الذاتي، والتوازن الحياتي. وهذا الصنف موعود من الله بنيل السعادتين الدنيوية والأخروية. ولا يتعارض هذا الوعد مع ما قد ينزله الله به من بلاء؛ ليمحصه ويطهره في الدنيا، ويرفع درجاته في عليين يوم الدين.
* والثاني يعيش كما يريد هو؛ فهو عبد لهواه، وأسير لرغباته وشهواته التي جعلها الله فيه امتحانًا وبلاء.
* والثالث يعيش كما يريد له الآخرون أن يكون؛ فهو يبيع آخرته بدنيا غيره؛ فيخسر الدارين.
* وصنف رابع تارك أمر حياته للمصادفات والظروف، تلعب به رياح التغيير حيث تشاء، ويدور معها في أي اتجاه تحركت، بلا ضابط أو رادع من عقل أو عرف أو دين.
* وهناك من يعيش مذبذبًا، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء. وتنتهي حياته وهو في زمرة المهمَّشين.
* وآخر يعيش بوجهين، له ظاهر وباطن.
* ومنا من يعيش من أجل المال.
* والطامة أن من الناس من يعتقد أنه من الصنف الأول لجهله المركب بمتطلبات هذه العيشة الخاصة، وتكبُّره عن سؤال أهل الذكر الذين أمرنا الله بسؤالهم دون غيرهم. وهو من أسوأ الناس عيشًا، وأبعدهم عن الحياة الكريمة التي أراد الله لعباده أن يعيشوها.
والعيش كما أراد الربُّ سبحانه وتعالى يستوجب أمورًا عدة، أهمها:
* أن تتعرف على الله كما جاء في كتابه - عز وجل - أو على لسان رسوله - عليه الصلاة والسلام -.
* أن تعرف من أنت في ميزان الله. فأنت خليفة لله في أرضه، ولست خليفة عنه؛ فالأرض التي تسكنها وتعيش عليها هو سبحانه وتعالى من خلقها، وهو مالكها أصلاً، وما زالت بيده وتحت قيّوميته - عز وجل -، لم يفوض أمر ملكيتها لأحد من خلقه، ولكنه هيأها وسخرها لجنس الإنسان؛ ليعبد الله عليها، وليعمرها كما أراد الربُّ سبحانه وتعالى، لا كما يريد هذا المخلوق المكرم من خالقه الفرد الصمد الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
* أن تعرف ماذا يريد الله منك؛ إذ إن منَّا من يظن أن الله أمرنا فقط بأن نسبح بحمده ونقدس كما قالت الملائكة عن نفسها في آية الاستخلاف. والحق أن الله انتدبنا لأمرين: أساس العبادة المحضة، وفيها التسبيح لله والتقديس. وعمارة الأرض {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}.
* أن تعرف كيف تحقِّق مراد الله كما أراد الله.
* أن تعرف ماذا أعد الله جزاء لمن التزم بما أراد، وعقابًا لمن حاد عن جادة الصواب.
وهذا كله يتطلب وينبني ويرتكز على خمسة أمور مهمة:
* التصديق بأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مبعوث من الله رحمة للعالمين، وأن ما جاء به وصح سندًا ومتنًا حقٌّ لا مرية فيه، ولا شك أو جدال.
* العلم الشرعي الذي يجعل الإنسان يعيش على بصيرة من أمره، وإن أعياه طلب هذا اللون من العلوم سأل أهل الذكر العلماء الربانيين الذين أمرنا الله بسؤالهم شرعًا.
* الامتثال والاتباع والالتزام بما صح به الدليل، وأفتى به العلماء المعتبرون، مع واجب الاعتراف بالتقصير والتهاون والنسيان؛ فهي من طبائع البشر التي جُبلنا عليها جميعًا نحن بني الإنسان.
* الصبر والمثابرة حتى يأتيه اليقين.
* الدعاء بدوام نعمة العيش كما يريد الله؛ فالقلوب - كما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقبلِّها كيف يشاء؛ لذا كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: «اللهم يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك».
دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود. وإلى لقاء والسلام.