خالد بن حمد المالك
كانت العُلا بالعُلا، عُلا بالإنجازات والقفز إلى الأعلى بقرارات تاريخية، وكان هذا العُلا على امتداد الخليج كله، قادةً وحكومات وشعوباً، فالنتائج ظهرت بوزن يعادل ما ارتفع في علو شاهق، فقد طويت صفحات من الخلافات، ودفنت مواقف، وتم إحياء كل ما كان وسيظل يجمع دولنا بخليج واحد.
* *
ففي ساعات محدودة، ووقت قصير، وبنيَّة طيبة، ورغبة صادقة، وحيث كان هَمّ القادة مصلحة دولهم وشعوبهم، وإيثار المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وبروح من الإخلاص، والتوجه الصادق، كانت القمة الخليجية بمستوى التحدي، وقالت كلمتها المدوية، وأظهرت أن جماعية دولها لا تُهزم، ولا تُهز، ولا يطول الخلاف بينها.
* *
كنَّا على موعد مع عرس جميل، وحفل استثنائي، وكانت الأجواء في العُلا أجواء أسرية، تميزت بالأخوة والمحبة والتعاضد والتعاهد على ما يُقوِّي اللحمة، ويحافظ على النسيج الخليجي، ويزرع الأمل في شعوب دولنا، وقد عبَّر عن ذلك البيان الختامي الصادر عن اجتماع المجلس الأعلى في دورته الحادية والأربعين (قمة السلطان قابوس والشيخ صباح)، وأكد عليه إعلان العُلا الصادر عن الدورة الـ(41) أيضاً.
* *
على أننا أمام هذا الإنجاز المبهر في تجاوز المجلس لكل التحديات، ووصوله إلى توافق وتطابق في وجهات النظر، لابد أن نستحضر أيضاً تصريح الأمير محمد بن سلمان الذي أكد فيه على نهج المملكة الراسخ في تحقيق المصالح العليا للمنظومة الخليجية، وما أشار إليه سموه من دور المملكة وريادتها التاريخية تجاه مجلس التعاون، وحرصها الكامل على وحدة الصف، ونبذ الخلافات، وتعزيز المكتسبات لما فيه خير دول وشعوب المجلس، لتكون القمة جامعة للكلمة، وموحدة للصف، ومعززة لمسيرة الخير.
* *
المملكة بقيادتها الحكيمة سبقت عقد القمة بإيجاد وتهيئة الأرضية المناسبة، للوصول إلى عودة العلاقات الأخوية إلى ما كنت عليه، وذلك بفتح أجوائها وحدودها البرية والبحرية مع دولة قطر، إظهاراً منها لمبادرة حُسن النية، وجديتها بالالتزام بوضع الأسس لحل الأزمة، وذلك انسجاماً مع سياستها ودورها في تعزيز تماسك الكيان الخليجي.
* *
وكون المملكة هي الشقيقة الكبرى لدول الخليج، فليس غريباً أن تنحاز إلى الجهود السياسية الرامية لوضع حد للأزمة مع قطر، خصوصًا أن لها دورها المحوري التاريخي الثابت في الدفاع عن المجلس، والحرص على أن يبقى قوياً وقادراً على مواجهة التحديات، بما يلبي خير ومصلحة دولنا وشعوبنا، وينسجم مع الدور القيادي للمملكة في تحصين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ضد أي اختراقات، والترَفُّع عن أي مهاترات، وتجنيبه أعتى الأزمات التي تربصت بأمنه، وهددت دوله، واستهدفت تماسك وحدته.
* *
ولقد كان تبني الملك سلمان بأن يكون عقد القمة بالمملكة، وتحديداً في محافظة العُلا، وحرصه المسبق على أن يسبق عقدها توافق بين جميع دول المجلس لإنهاء الأزمة بين الأطراف، ولَمّ الشمل، وتحييد الخلافات، وقد استجاب القادة على ما تبناه الملك سلمان، وقبلوا بدعوته ورحَّبوا بها، تقديراً منهم لما يتمتع به من مكانة كبيرة لدى إخوته القادة الخليجيين، وتثقتهم بحرصه الشديد في الحفاظ على تماسك المنظومة الخليجية.
* *
كما أن رئاسة الأمير محمد بن سلمان لهذه القمة، وإدارته لها، بما عُرف عنه من حكمة، وبُعد نظر، وعلاقات متميزة بقادة دول الخليج، شكَّل اختراقاً لمعالجة كل ما كان موضع خلاف بين الأطرف، كما ساعد على توقيع الدول الخليجية على بيان العُلا دون تسجيل أي تحفظات، ليضاف إلى جانب جهد سموه ودوره الكبير ما بذله المرحوم الشيخ صباح الأحمد الصباح، ولاحقاً الشيخ نواف الأحمد، إلى جانب الرئيس الأمريكي ترامب، وتكون نتائج هذا الجهد صدور هذه القرارات المفصلية عن هذه القمة التاريخية، وبالتالي ليعود الوئام والأخوة والصف الواحد بين الأخوة لمواجهة التحديات الطبية والاقتصادية والأمنية.