فدوى بنت سعد البواردي
حين نتطرق لموضوع بناء استراتيجية أي منظمة دائمًا نفكر في: رؤية المنظمة، ورسالتها أو مهمتها، وكذلك أهدافها التي تسعى المنظمة إلى تحقيقها على المدى القصير والمدى البعيد. هذه هي مكونات استراتيجية أي منظمة. وهكذا يتم تدريسها وتطبيقها. ولكن، وفي المقام الأول، ما هو العامل الأساسي الذي يعزز تلك الرؤية وتلك الأهداف للمنظمة..؟
الإجابة هي التحليل. ولكي تدير أي منظمة استراتيجيتها الناجحة توجد أربعة محاور أساسية للتحليل، يجب أن تقوم المنظمة بها على نحو منتظم. وتلك المحاور هي: تحليل البيئة الداخلية، وتحليل البيئة الخارجية، وتحليل الجهات المماثلة الأخرى التي غالبًا ما تكون منافسة، وتحليل البيئة العامة.
فعن طريق المحور الأول - وهو «تحليل البيئة الداخلية» - يمكن أن تعرف المنظمة نقاط قوتها ونقاط ضعفها. كمثال: هل يوجد بالمنظمة الكفاءات المطلوبة؟ وهل توجد الميزانية السنوية الكافية لتخطيط وتنفيذ المبادرات؟ وكذلك هل توجد التقنيات الضرورية للقيام بالأعمال..؟ وحسب نتائج هذا التحليل تتمكن المنظمة من تعزيز قدراتها، ومن ثم إعادة التقييم بشكل دوري لمتابعة مدى التحسن.
والمحور الثاني هو «تحليل البيئة الخارجية». وذلك المحور يمكّن المنظمة من أن تعرف المخاطر، وكذلك فرص النجاح الخارجية. كمثال: ما هو التأثير الإيجابي لقرار قيادة المرأة السعودية السيارة بالنسبة لشركات بيع وتأجير السيارات؟ وما هو التأثير السلبي للقرار ذاته بالنسبة لشركات تنقُّل الأفراد؟ هذا التحليل يساعد في تعديل بعض مبادرات المنظمة من أجل المواءمة مع التغييرات الخارجية، والمحافظة على النجاح، حتى لو تطلب الأمر تخطيطًا جديدًا للاستراتيجية المستقبلية للمنظمة.
وهذان التحليلان هما ما يعرفان بـSWOT Analysis في مجال تحليل الاستراتيجيات.
أما المحور الثالث فهو «تحليل الجهات المماثلة الأخرى» التي غالبًا ما تكون منافسة، ويكون ذلك بحصر هؤلاء المنافسين، سواء الحاليون أو المستقبليون، وتحليل ما يميزهم. وكذلك حصر الجهات التي تقوم بدعم تلك الجهات أو الاستفادة منها، وتحليل مدى الاستفادة. وهو ما يعرف بـPorter›s Five Forces. وكمثال: حين تمكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق نجاحات نوعية استراتيجية في مجال التقنية الرقمية فقد قامت عن طريق خبراء بتحليل وتقييم ما وصلت إليه بعض الدول المتقدمة في ذلك المجال، والاستفادة بذلك عن طريق ما يعرف بـBlue Sky Strategy، وهو تخطيط استراتيجي، يُطلق على كل ما هو فريد وجديد من نوعه، وما لم ينفَّذ من قبل مطلقًا، وتعرف باستراتيجية الصدارة، مثل بناء مدن ومستشفيات ذكية، تعد الأولى من نوعها في العالم. ويساهم هذا النوع من التحليل أيضًا في بناء شراكات مع الداعمين الدوليين والمستفيدين على حد سواء؛ وذلك لتعزيز النجاح للأهداف الاستراتيجية.
أما المحور الرابع - وهو «تحليل البيئة العامة»، أو ما يعرف بتحليل Pestle - ففيه تتم دراسة العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية والقانونية والبيئية أثناء تخطيط ومراجعة الاستراتيجية للمنظمة. ويتيح هذا النوع من التحليل الإلمام بتفاصيل العوامل المحيطة بشكل مكتمل؛ للمساعدة على التخطيط المتقن للاستراتيجية، خاصة إذا كانت على مستوى محلي يمس قطاعات مختلفة.
وأخيرًا، وليس آخرًا، توجد العديد من الأنواع للاستراتيجيات، بعضها استراتيجيات محدودة لشركات صغيرة، وبعضها استراتيجيات كبيرة لمنظمات دولية، ولكن في جميع الأحوال مفتاح النجاح والاستدامة هو التحليل المستمر، والاستفادة من تلك النتائج في التطور المستمر. وهذا هو مفتاح الاستراتيجيات الناجحة.