د.شريف بن محمد الأتربي
من على بعد 300 كم تقريباً من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وعلى أرض العلا وبين ربوع مملكتنا المباركة بإذن الله؛ ومع بداية العقد الخامس من تاريخ تشكيل مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وبداية العقد الثالث من الألفية الثالثة تُعقد القمة الحادية والأربعين لقادة المجلس، وبوجود أمير قطر الحاضر الغائب في القمم السابقة.
إن أجواء هذا اللقاء تُبشر بالخير والمستقبل الواعد المزدهر لدول المجلس خاصة وللدول العربية الأخرى عامة. ومن المبشرات بالخير إعلان دولة الكويت عن بدء فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين المملكة العربية السعودية وشقيقتها دولة قطر. كما كانت كلمات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله- إيجابية ومبشرة بأن قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ستكون قمة جامعة للكلمة، موحدة للصف، ومعززة لمسيرة الخير والازدهار، وستترجم من خلالها تطلعات خادم الحرمين الشريفين وإخوانه قادة دول المجلس في لمّ الشمل والتضامن في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة.
لقد حظيت صور استقبال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله لإخوانه قادة دول الخليج العربي وخاصة مع أمير قطر باهتمام العالم أجمع حيث أظهرت هذه الصور مدى عمق العلاقات التي تربط بين دول الخليج سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية؛ فخليجنا واحد وهمومنا وتطلعاتنا واحدة، وحتى لو كانت هناك خلافات بيننا فهي خلافات بين أخوة وأشقاء لا تحتاج سوى ثوان معدودة وتذوب وتتلاشى بفعل المحبة والشهامة العربية المعهودة والمعروفة عن منطقتنا.
وفي قمة الوفاء قمة قابوس والصباح ومن قاعة المرايا التي عكست مدى عمق العلاقات الأخوية التي تربط بين قادة وأبناء المنطقة؛ يصدر البيان الختامي حاملاً تباشير الأمل لغد أفضل؛ منيراً الطريق وموحداً الصف أمام التحديات الكبيرة التي يواجهها أبناء المنطقة سواء على الصعيد الداخلي أو في المحيط الخارجي.
وكان من أبرز ما جاء في قمة الوفاء وبحسب الإعلان الختامي؛ فقد تم التأكيد على الأهداف السامية لمجلس التعاون، التي نص عليها النظام الأساسي، بتحقيق التعاون والترابط والتكامل بين دول المجلس في جميع المجالات، وصولاً إلى وحدتها، وتعزيز دورها الإقليمي والدولي، والعمل كمجموعة اقتصادية وسياسية واحدة للمساهمة في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والرخاء في المنطقة، وهي رسالة لعدم شق الصف مرة أخرى وأننا روح واحدة وجسد واحد ومن حاول شق الصف اصطف خارجه.
وقد تناول البيان أيضا مدى ضرورة العمل بشكل جماعي في مواجهة تحدي فيروس كورونا المستجد، وما يمكن تحقيقه من خلال التعاون بين دول العالم في مواجهة هذا الوباء، والاستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية أثناء قيادتها لقمة العشرين.
كما حرص البيان على التأكيد بضرورة التنفيذ الكامل والدقيق لرؤية خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله، والتي أقرها المجلس الأعلى في دورته السادسة والثلاثين والتي عقدت في شهر ديسمبر من عام 2015؛ بالعمل على استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة وبلورة سياسية خارجية موحدة، وذلك وفق جدول زمني محدد ومتابعة دقيقة.
وقد استجابت القمة لصوت المواطن فأكدت على ضرورة استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، وتحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة، بما في ذلك منح مواطني دول المجلس الحرية في العمل والتنقل والاستثمار والمساواة في تلقي التعليم والرعاية الصحية، وبناء شبكة سكة الحديد الخليجية، ومنظومة الأمن الغذائي والمائي، وتشجيع المشاريع المشتركة، وتوطين الاستثمار الخليجي.
وأيضاً العمل على تحفيز الاقتصاد، وإشراك قطاع الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني وتمكين المرأة والشباب بشكل أكبر في التنمية الاقتصادية، وتشجيع المبادرات المتعلقة بالاقتصاد الرقمي.
كما تبنت القمة التوجه نحو التحول الرقمي والاستفادة من تقنية الذكاء الاصطناعي في تنمية القدرات التقنية في الأجهزة الحكومية، ضماناً لسرعة وكفاءة تنفيذ الخدمات والإجراءات، وتطوير المناهج التعليمية والرعاية الصحية والتجارة الرقمية. وتعزيز التعاون بين مؤسسات المجلس ومنظمة التعاون الرقمي التي تأسست عام 2020م، بما يحقق مصالح دول المجلس.
لقد جاءت قمة العلا في وقت عصيب على الأمة العربية عامة وعلى دول الخليج خاصة من ناحية تربص الأعداء ومحاولتهم الوقيعة الدائمة بين الأشقاء، ناهيك عن العدو الأكثر شراسة الآن فيروس كورونا المتحور والمتغير؛ جاءت قمة العلا لتنير لنا الطريق ونلتف حول قادتنا ونزيد لحمتنا وننظر أمامنا وليس أسفل منا ونشحذ الهمم لنرتفع إلى القمم فمن جاء للعلا علا.