عوض مانع القحطاني - العلا:
أكد صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية، أن اجتماع الدورة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي رأسها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، اكتسبت أهمية بالغة لكونها أعلت المصالح العليا لمنظومة مجلس التعاون الخليجي والأمن القومي العربي، لترسل رسالة إلى العالم أجمع أنه مهما بلغت الخلافات في البيت الواحد إلا أن حكمة قادة دول المجلس قادرة بعد مشيئة الله تعالى على تجاوز كل ذلك، والعبور بالمنطقة ودولها وشعوبها إلى بر الأمان. وأعرب سموه في المؤتمر الصحفي المشترك مع معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور نايف بن فلاح الحجرف، في كلمة له عقب اختتام أعمال القمة بمحافظة العلا مساء أمس عن تطلعه أن يكون ما تحقق اليوم بتوقيع بيان العلا صفحة جديدة في سبيل تحقيق أمن واستقرار المنطقة وشعوبها، بعيدا عن كل المسببات والمنغصات الماضية، مشيرا إلى أن بيان العلا أكد على الروابط والعلاقات الوثيقة والراسخة لدول المجلس التي قوامها العقيدة الإسلامية والمصير المشترك، مما يدعوها لمزيد من توطيد تلك العلاقات وتغليب مصالحها العليا، بما يعزز أواصر الود والتآخي بين شعوبها، ويرسخ مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل، ويحقق أعلى أوجه التعاون بينها في مختلف المجالات، ويجنبها أي عراقيل قد تحول دون تكاتفها وتعاونها. وأشار سمو وزير الخارجية إلى أن الدول الأطراف أكدت تضامنها في عدم المساس بسيادة أي منها أو تهديد أمنها، أو استهداف اللحمة الوطنية لشعوبها ونسيجها الاجتماعي بأي شكل من الأشكال، ووقوفها التام في مواجهة ما يخل بالأمن الوطني والإقليمي لأي منها، وتكاتفها في وجه أي تدخلات مباشرة أو غير مباشرة في الشؤون الداخلية لأي منها، وتعزيز التعاون لمكافحة الكيانات والتيارات والتنظيمات الإرهابية التي تمس أمنها وتستهدف استقرارها. وأفاد سمو الأمير فيصل بن فرحان أن بيان العلا تضمن التزام الدول الأطراف بإنهاء جميع الموضوعات ذات الصلة، وذلك انطلاقا من حرصها على ديمومة ما تضمنه البيان، وأن يُعزز التعاون من خلال المباحثات الثنائية والتنسيق فيما بينها، خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة بجميع صورهولفت سموه النظر إلى أن ماتحقق اليوم لم يكن ليتم لولا حكمة قادة دول المجلس والجهود الحثيثة بالوسائل الحميدة التي بذلتها دولة الكويت الشقيقة، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، مستذكراً الجهود والمساعي الحثيثة لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح -رحمه الله- لإعادة اللحمة إلى البيت الخليجي، ومواصلة النهج من صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح الذي شهد اليوم «أمس» مع إخوانه ما كان يطمح له الشيخ صباح في حياته. وأبان أن قادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون ناقشوا العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب تنسيق المواقف الجماعية تجاهها.
من جانبه أكد معالي الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف في كلمة له أنه ما كان هذا الإنجاز أن يتحقق لولا حرص أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس -حفظهم الله- على تماسك وتدعيم هذا الكيان العزيز الشامخ الذي كان قدره أن يخرج من وسط التحديات. وقال معاليه « لعلنا اليوم من العلا نرتقي إلى العلا في مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ترعاها عين الله سبحانه وتدفعها قادة دول مجلس التعاون، بما يبذلونه من حرص كبير على لم الشمل وتوحيد الصفوف، والعمل بكل ما من شأنه خير ونماء واستقرار هذه المنظومة وشعوبها والعمل الجماعي لمواجهة تحديات المستقبل». ولفت الانتباه إلى أن قمة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورتها 41 «قمة السلطان القابوس والشيخ صباح» أكدت الأهداف السامية لمجلس التعاون التي نص عليها النظام الأساسي بتحقيق التعاون والترابط والتكامل بين دول المجلس في جميع المجالات، وصولاً إلى وحدتها وتعزيز دورها الإقليمي والدولي، والعمل كمجموعة اقتصادية وسياسية واحدة، للمساهمة في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والرخاء في المنطقة. وأوضح معاليه أن مواطني دول المنطقة يعقدون الأمل بأن يعيد «بيان العلا» العمل الخليجي المشترك لمساره الطبيعي، وأن تعزز القمة أواصر الود والتآخي بين شعوب المنطقة. وقال معالي الأمين العام «إن توقيع جمهورية مصر العربية على «بيان العلا» يوثق العلاقات الأخوية التي تربط جمهورية مصر العربية بدول المجلس، وانطلاقاً مما نص عليه النظام الأساسي «بأن التنسيق والتعاون والتكامل بين دول المجلس إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية».
عقب ذلك أجاب سمو وزير الخارجية ومعالي الأمين العام لمجلس التعاون على أسئلة الصحفيين. ففي سؤال حول ما اتفق عليه وهل يعد إعلان لعودة العلاقات، أكد سمو وزير الخارجية أن ما تم هو طي كامل لنقاط الخلاف، وعودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية، وجميع ما يخدم العلاقات بين الدول الأعضاء وجمهورية مصر، وسيكون لبنة قوية ومهمة -إن شاء الله- لمستقبل المنطقة واستقرارها. وأكد سموه أن الاتفاق اليوم سيدعم الموقف العربي الموحد، وأي اتفاق يزيد من قوة دول المنطقة على التعاون والتنسيق والعمل الجماعي سيكون داعما للاستقرار في المنطقة، وداعماً لحل المشاكل الموجودة في مواجهة التحديات الكبيرة التي تهدد الأمن الإقليمي في الخليج والأمن القومي العربي بشكل عام، وقال «سنعمل الآن كمنظومة واحدة سويا لمواجهة كل هذه المخاطر التي تواجه المنطقة، ونتعاون في حلها والتعامل معها «. وشدد على أهمية أن يكون لدول المنطقة موقف موحد واضح تجاه التهديدات الإيرانية للأمن والاستقرار ليس فقط في البرنامج النووي لكن أيضا في التدخل المستمر في شؤون دول المنطقة، وما ينتج عن ذلك من عدم استقرار وحروب ودمار، مؤكدا أن هذا سيكون منهج المجموعة الخليجية، مشيرا في هذا الصدد إلى الدور المهم للمجموعة العربية، وقال «أعتقد مشاركتنا مهمة في المفاوضات سواء بشكل مباشر أو بأي شكل كان، وأن يكون صوت الدول العربية ودول المنطقة مسموعاً. وأشار سمو وزير الخارجية إلى أن هناك تفهما من المجتمع الدولي لأهمية معالجة جميع أوجه التهديد الإيراني ليس فقط الجانب النووي ولكن جميع تهديداتها المباشرة لأمن واستقرار المنطقة. وردا على سؤال لـ(الجزيرة) أوضح سموه أن جميع الإدارات الأمريكية واعية للخطر الإيراني وإن اختلفت طرق تعاملها، وما نسمعه من إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جون بايدن يدل على أنهم موقنون بأن إيران تشكل تهديدا لأمن واستقرار المنطقة، مؤكدا أنه سيكون بين المملكة و الإدارة الأمريكية تشاور وتنسيق كما هو الحال بين دول الخليج والولايات المتحده دوما. وعن آليات وضمانات تنفيذ ما اتفق عليه في القمة أكد سمو وزير الخارجية أن أهم ضمان هو الإرادة السياسة القوية وقال « ما وصلنا لهذا الاتفاق إلا بوجود إرادة حقيقية لدى القيادات لحل هذا الإشكال وضمان الوصول إلى لحمة حقيقية تدعم استقرار المنطقة، وتدعم قدرتنا على مواجهة التحديات التي تواجهنا، نحن متفائلون جدا أن هذالاتفاق هو خطوة مهمة جدا إلى الاستقرار، وإلى نجاح دول الخليج ومصر والمنطقة بشكل عام، وأن ما شهدناه اليوم من خلال الاجتماع وفي الأيام السابقة من حسن نوايا ومن تعاون وتوافق وتواصل إيجابي بين القيادات يجعلنا واثقين أن هذا الاتفاق سوف يكون له ديمومة كاملة وسيكون لبنة في تقوية البناء العربي». من جانبه أكد معالي الأمين العام لمجلس التعاون أن ما تم اليوم يمثل ركيزة أساسية تنطلق فيها مسيرة مجلس التعاون إلى آفاق أرحب لمواجهة جماعية للتحديات الجيوسياسية والاقتصادية الكبيرة التي فرضتها جائحة كوفيد، وقال « هناك إصرار ورغبة حقيقية وصادقة بألا نتوقف عند هذه المحطة، ومجلس التعاون في كل تحدِ يخرج أكثر قوة وأشد صلابة، ونتطلع اليوم إلى المستقبل بكل أمل وتفاؤل برعاية سامية من أصحاب الجلالة والسمو «وأشار معالي الأمين العام لمجلس التعاون إلى أن « بيان العلا « أكد ضرورة الدفع بمسارات التكامل الخليجي في جميع مجالاتها الاقتصادية، عاداً ذلك عنواناً مثالياً للعقد الخامس من مسيرة المجلس، لما للملف الاقتصادي من أهمية توصله لوحدة اقتصادية، بدءاً بالاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة واستكمال متطلباتهما، مفيداً أن البيان يمهد لاستكمال جميع الجهود التي بذلت خلال الأربعين سنة الماضية. وأوضح الدكتور الحجرف أن سنة 2020م محطة فاصلة رغم الإجراءات الاحترازية والحظر، إلا أنها سنة مثمرة في أهمية مراجعة كل هذه الملفات ووضع الأولويات للعقد الخامس التي ترجمت اليوم بجملة من القرارات التي اعتمدها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس. ونوه الحجرف بمواقف دول المجلس الداعمة للعراق واليمن بوصفهما جارين مهمين، مستشهداً بالمبادرة الخليجية التي باتت مرجعية أساسية لأمن واستقرار اليمن، وذات صبغة دولية، لافتا النظر إلى برنامج إعادة إعمار اليمن، الذي تتبناه المملكة العربية السعودية، إلى جانب جهودها في قيادة التحالف العربي لإعادة الاستقرار في اليمن، من خلال تفعيل المسارات السياسية، مشيراً إلى الاتفاقية الموقعة بين دول المجلس والعراق لتعزيز التعاون في شتى المجالات، مؤكداً أن هناك جهوداً كبيرة لمساعدة العراق على العودة إلى مكانته الطبيعية في العالم العربي.
وبشأن قطاع الأعمال والتبادل التجاري بين الدول الأطراف أكد الأمين العام أن أسواق دول مجلس التعاون ذات ديناميكية وحيوية كبيرة جدا، إذ حصلت على أفضل المؤشرات والمعايير الدولية، وقال: «نتطلع إلى أن يكون الملف الاقتصادي هو عنوان للعقد الخامس، عطفا على أهميته، ولاسيما أن دول المجلس بينهم تعاون كبير جدا وتنسيق لتعزيز التجارة البينية والاستثمارات المشتركة، ولعل ما تمخض عنه اجتماع اليوم يجعلنا متفائلين ومستبشرين بمستقبل اقتصادي مشرق، سينعكس إيجابياً على نمو الدول الأعضاء ورفاهية شعوبهم». وجدد صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله في ختام المؤتمر الصحفي التأكيد على أهمية ما تحقق في اجتماع القمة، عاده إنجازاً مهماً وتاريخياً ستتحقق معه اللحمة الخليجية والعربية، مبدياً تفاؤلاً وعزماً أن تستكمل الجهود في إطار ترتيب البيت الخليجي، وإعلان المصالح العليا، ولم الشمل وتعزيز وحدة الصف، بما يعين هذا الكيان على مواجهة كل التحديات التي تحيط في المنطقة والعالم.